«السهم الملتهب»، و «جوهرة الصحراء»، و «بيليه العرب»، و «الأسطورة»، و«صاحب الحذاء الذهبي»، وغير ذلك مما أطلقته الصحافة على الكابتن ماجد احمد عبدالله، كل هذه الألقاب تفقد بريقها إذا ما قورنت بتلك التي ينادي بها جمهور الرياضة العريض نجمه الكبير. لمست هذا وأنا أشاهده للمرة الأولى بالقاهرة، أمام فندق رمسيس هلتون منذ سنوات، ابتسامته وسط جمهوره شجعتني على مصافحته، كان دافئا مثلما أوحت لي صوره بالميادين العامة والملاعب، كنت سعيدا أن ألتقي هداف آسيا الأول لسنوات، أردت أن أستضيفه على مائدتي بالفندق، لكنه أصر على أن يستضيفني. عندما فكرت أن أسرد قصة نجاحه، كان هذا اللقاء الأول بذاكرتي، كم سنة مضت منذ ذلك اللقاء، ومع ذلك مازال لماجد الرصيد الأعلى ليس في قلوب محبيه من أبناء المملكة، لكن نبع المحبة تفجر عربيا ودوليا. جمعت بعض ما قاله، وما كتب عنه، وذهبت لأحاوره، ليس مجرد سارد لقصة نجاح، وإنما كمحب أراد أن يجلس مستمعا ومستمتعا بهدوئه، وبحديثه، وأخلاقياته التي تمسك بها حتى الاعتزال. حي البغدادية: يتذكر الأسطورة ماجد عبدالله الحي الذي شهد ميلاد أحلامه قائلا: ولدت في بيت رياضي بجوار نادي الاتحاد بحي البغدادية بجدة، ذلك الحي المعروف بالعائلات الرياضية التي أنجبت الكثير من مشاهير الرياضة بالمملكة في كافة المجالات، أمثال آل الراجخان وآل أبو داود، وآل الكيال وآل البكر، وآل الناصر، وآل بافرط، وآل حجازي وغيرهم. كان الحي مكاناً للكثير من الملاعب، خاصة ملاعب كرة القدم التي أنجبت نجوم الثمانينات والتسعينات أمثال الغراب، والنور موسى وعبدالله بكر، وعبدالزراق بكر، وعمر راجخان وغازي كيال، وهشام بكر، وعبدالله صالح وغنيمة الحربي، وأبو غنم، وغيرهم.. وهو حي عريق يضم أقدم مبنى لوزارة الخارجية في المملكة الذي يعتبر اليوم أحد معالم جدة، وكانت السفارات والقنصليات لمعظم دول العالم التي انتقلت إلى الرياض، ولم تبق وفية للحي إلا القنصلية الإيطالية التي ما زالت في مبناها القديم ولم تغرها الأحياء الجديدة بالانتقال. السكان مازالوا يحفظون الكثير من الحكايات قبل أن ترتفع الكتل الأسمنتية مكان البيوت البسيطة. لكن الساحات الواسعة التي كان الناس يجتمعون فيها، ويمارس الشباب لعب كرة القدم فيها تحولت إلى ملكيات خاصة. انتقلت إلى العطايف: ولأن الأب كان لاعبا من أشهر المهاجمين، ثم مدربا في نادي النصر بالرياض، فقد انتقلت العائلة إلى حي العطايف بالرياض لتكون بجواره. كانت أحاديث الأب على موائد الطعام، وصور اللاعبين المعلقة على جدران المنزل، والضيوف الرياضيون الذين كانوا يحلون على البيت من وقت لآخر دوافع قوية لأن يحلم الابن بمجد رياضي، كانت الظروف مهيأة لأن يحصل الابن على نصيب وافر من التدريب بنادي النصر الذي يعمل فيه والده كمدرب للأشبال، كما أن مدرسة الجزائر الابتدائية التي التحق بها ماجد هيأت له الفرصة، فقد التحق بمنتخب المدرسة كحارس مرمى وقد استمر حارساً لفترة ليست بالقصيرة وكان في بعض الأحيان يلعب مهاجماً إذا تغيب أحد المهاجمين. يضع ماجد كفيه خلف رأسه، راجعا بظهره إلى الوراء، كأنه ينتقل إلى الزمن الماضي بجسده، وهو يقول: نزلنا في حي العطايف، وانضممت لفريق الحارة، وفي إحدى المرات تغيب مهاجم العمق فحللت بديلاً عنه بترشيح من المدرب، وسجلت هدفين بعد فواصل من المراوغة، وفاز فريق العطايف بنتيجة 3 / 1، كان اكتشافا جديدا، ودّعت حراسة المرمى، ولعبت كمهاجم عمق بعدها وسط تشجيع من مدربي وزملائي. ويتذكر ماجد عبدالله ويقول كنت حريصا على أن أكون قريبا من الملاعب، سجلت اسمي ضمن الطلاب المشاركين في حمل الأعلام أثناء افتتاح دورة الخليج الثانية بالرياض في مطلع عام 1392ه، وحملت العلم مع زملائي ونفسي تتوق للعب في هذا الملعب في أحد الأيام. ويواصل ماجد: غادرنا حي العطايف إلى حي آخر هو حوطة خالد بالقرب من شارع الوزير، كان ذلك متزامناً مع انتقالي للمرحلة المتوسطة، انضممت فوراً لمنتخب المدرسة وفي نفس الوقت انضممت لفريق حواري اسمه (الاتفاق) تابعاً للحارة. كان فريق الحوطة (الاتفاق) يستعد للدخول في دوري كبير يقام بحي عتيقه إلا أن الفرق رفضت هذا الفريق نظراً لصغر سن أفراده، ومن باب التحدي أصر أفراد فريق الاتفاق على خوض مباراة مع المرشح الأول للبطولة وهو فريق (بن عمر الكبير)، ووافق الفريق على إقامة المباراة، وكانت المفاجأة أن فاز فريق الاتفاق 3/1 سجلت منها هدفين. وبعد هذه المباراة وافقت الفرق على دخول فريق الاتفاق لهذا الدوري وكانت ألوان الفريق أصفر وأزرق وكانت المفاجأة إحراز هذا الفريق لبطولة دوري عتيقه للحواري. بروشتش وأبو رجيلة: ويواصل أبو عبدالله أن لاعبي الأندية كانوا بطبيعة الحال يتابعون ويهتمون بمنافسات الحواري، وأن لاعب النصر محمد الهديان كان من ضمن فريق (الاتفاق)، يقول: نصح الهديان الأمير عبدالرحمن بن سعود بسرعة تسجيلي ولاسيما أن والدي كان مدرباً في النصر ومن الأصدقاء المقربين للإدارة. كذلك قام مدرب فريق الاتفاق للحواري نصيب عوض بزيارة خاطفة للنصر قابل خلالها اللاعب الكبير خالد التركي ونصحه بسرعة تسجيلي فقام خالد التركي بدوره بالتفاهم مع الجهاز الفني بقيادة محمود أبو رجيله والمدرب الجديد بروشتش الذي تعاقد معه النصر منذ أيام للإشراف على الفريق. وحضر بروشتش وأبو رجيله للملعب الذي يؤدي فيه فريق الاتفاق تمارينه وكانا في البطحاء وشاهداني في التمارين، وقررا فوراً ضمي للفريق. ماجد لاعباً في النصر: ويمضي ماجد الذي ما زال يذكر التفاصيل ويبتسم: دخل المشرف الاجتماعي الفصل واستأذن المدرس في أخذي إلى الإدارة، وهذا يعني أن هناك عقاباً لأن مديري المدارس لا يخرجون الطلاب من فصولهم أثناء الدرس إلا إذا كانت هناك مشكلة تستوجب العقاب. لكني تفاجأت بوجود والدي ومعه شخص آخر فزال مني الخوف وخاصة أني وجدت المدير يبتسم لي مشجعاً، وأخبرني والدي بأنهم سوف يذهبون إلى المكتب الرئيسي لرعاية الشباب لتسجيلي في كشوفات نادي النصر. لم أكن أتوقع أن يتحقق حلمي بأن أرتدي شعار الجزيرة العربية «شعار النصر» بهذه السرعة. وفي سجلات المكتب الرئيسي للمنطقة الوسطى وقعت وبفرحة غامرة في كشوفات نادي النصر بتاريخ 6 / 11 / 1395ه ضمن فريق الناشئين. مأزق تعدد الفرق: ويواصل أبو عبدالله: بعد تسجيلي بالنصر، أحسست أنني موزع بين الحارة والمدرسة والنصر، هذا الأمر أثر على بداية مشواري مع النادي فلم أواظب على تمارين النادي بشكل جيد، وفي النهاية اعتذرت عن مشاركة فريق الحارة مكتفياً باللعب في المدرسة بجانب فريق النادي بعد أن ألزمت نفسي بالانتظام في التمارين. في هذه الأثناء حققت شهرة عريضة بين مدارس الرياض أثناء منافساتها لدرجة أن المباريات التي تكون مدرستي المتوسطة طرفاً فيها كانت تحضرها جماهير كبيرة من مدرسي وطلاب المدرستين المتباريتين. مكتشف المواهب: ويسجل ماجد اعترافه بفضل بروشتش مدرب نادي النصر، فيقول: من حسن حظي أن بروشتش كان مدرب النصر في مرحلة تسجيلي في كشوف النادي لأن هذا المدرب يعتبر من أفضل صاقلي المواهب بين مدربي الكرة في العالم. وقد قام خلاف بين الأمير عبدالرحمن بن سعود يرحمه الله وبين الراحل بروشتش بخصوصي ويوسف خميس، فالأمير عبدالرحمن يرحمه الله كان يرى أنني ويوسف قد نصبح أساسيين في الموسم التالي – أي موسم 1397ه - بينما رأى بروشتش أننا في حاجة لبعض الوقت.. وفي النهاية اتضح أن الحق مع الأمير عبد الرحمن يرحمه الله. في دورة الصداقة بالرياض: ويحكي ماجد عن طموحه باعتباره لاعبا في نادي النصر: بعد أسبوعه الرابع ولاستضافة الاتحاد السعودي لدورة الصداقة الدولية بالرياض بالإضافة إلى استعداد المنتخب للمشاركة في دورة الخليج الرابعة بقطر عام 1396ه، تم إلغاء الدوري الممتاز لموسم 95 / 1396ه وكان الأمير عبدالرحمن بن سعود يرحمه الله هو مدير المنتخبات حينها.. كنت أتابع المنتخب وهو يخوض هذه المسابقة الدولية عن قرب من خلال المدرجات والأمل يراودني أن أرتدي الشعار الوطني في يوم من الأيام وخاصة وأنه نال من التشجيع والاهتمام الشيء الكثير. ماجد يعسكر في لندن: واستعداداً لموسم 96/ 1397ه سافر فريق النصر لإقامة معسكر تدريبي في لندن وقد رافق الفريق كل اللاعبين بما فيهم المستجدون والصاعدون تحت إشراف الخبير بروشتش والأمير عبدالرحمن بن سعود وبقية أعضاء مجلس الإدارة، وقد كان النصر يفضل المعسكرات الخارجية في هذه الحقبة، وهناك خاض فريق النصر عدداً من اللقاءات الودية.. وخاض النصر أول لقاء تجريبي مع فريق مغمور وهنا أراد المدرب أن يجربني كلاعب أساسي في هذه المباراة فسجلت الهدف الأول وخرج النصر فائزاً في تلك المباراة بنتيجة 4 / 0، وفي اليوم التالي وأثناء أداء التمارين أصبت في مفصل القدم فبقيت طوال هذه الرحلة تحت العلاج إلى أن عادت البعثة إلى الرياض. لأول مرة: ويواصل الأسطورة: بدأ الموسم ومازلت أعاني من الإصابة التي لحقت بي في معسكر لندن، فتارة أتدرب وتارة تعاودني الإصابة. وأثناء توقف الدوري ثلاثة أسابيع قرر فريق النصر أن يلاقي فريق الفتح المغربي الذي حل ضيفاً على المملكة، وفي الربع الساعة الأخيرة من المباراة أتاح بروشتش الفرصة مجدداً لي بعد أن تحسنت حلتي فأشركني بديلاً ليعقوب مرسال، فأبديت استعداداً جيداً كمهاجم، كانت هذه المباراة بتاريخ 24 / 1 / 1397ه. هذا الاستعداد الطيب شجع المدرب لإشراكي في المباراة الرسمية التي جاءت بعد مباراة الفتح المغربي مباشرة وكانت أمام فريق الشباب، حيث أشركني في الثلث الساعة الأخير من عمر المباراة وكانت النتيجة 2 /1 للنصر، وكانت هذه المباراة بالرغم من كونها أول مباراة رسمية لي فرصة لتقديم فواصل مذهلة من المراوغة والتمريرات المتقنة أكدت أحقيتي كلاعب أساسي منذ هذا الموسم، كانت هذه المباراة في الدور الأول من الدوري الممتاز بتاريخ 1 / 2 / 1397ه. وقد بدأت مشواري الرياضي في النصر بقميص رقمه ( 14 ) سرعان ما تغير للرقم الشهير (9). اثنان وعشرون عاما رياضة: كان من الصعوبة بمكان أن يجد أي لاعب مهما كانت موهبته مكاناً في النصر كلاعب جديد في تلك الحقبة لأن الفريق كان يزخر بالنجوم في كل مركز، بل كان في كل مركز لاعب أساسي ولاعب بديل لا يقل عنه لذلك من الصعب جداً أن يأتي لاعب جديد ويجد مكاناً له بهذه السرعة وخاصة في مركز الهجوم المليء باللاعبين. ومنذ عام 1397(1977) انطلقت حياتي الرياضية لأختتمها بلقب أفضل هداف في تاريخ نادي النصر، وبلادي، وآسيا بأكملها، وقد أمضيت اثنين وعشرين عاماً، ستظل محفورة في سجلات التاريخ تمثل العصر الذهبي لنادي النصر والكرة السعودية. إحدى عشرة بطولة: ويستعرض «بيليه العرب» سجل مشاركاته في المنتخبات السعودية في كأس آسيا للمرة الأولى عام 1984، والمرة الثانية عام 1988، والتأهل للأولمبياد للمرة الأولى عام 1984، والتأهل لكأس العالم للمرة الأولى عام 1994. مؤكدا أنه حقق من خلال ناديه إحدى عشرة بطولة محلية وخليجية وقارية. أرقام مهمة في حياة ماجد: وبالأرقام يتحدث ماجد عن مسيرته ونجاحاته قائلا: حققت لقب هداف الدوري السعودي ست مرات كرقم قياسي لم يقترب منه أحد، بالإضافة للعديد من الألقاب الخليجية والعربية والقارية. إلا أن الرقم الأهم والأكبر في مسيرتي هو الأهداف، حيث سجلت 533 هدفاً للمنتخب والنادي في المباريات الرسمية والودية. وتمكنت من تحقيق هذا الرقم كنتيجة طبيعية لمهاراتي التي اكتشفها الخبراء وهي سرعة الانطلاقة، وقدرتي على المراوغة، وإجادتي ضربات الرأس بشكل غير مسبوق، إضافة إلى إجادتي تسديد ضربات الجزاء. ووصفني النقاد بأنني لاعب حسم، فمهما كانت النتيجة ومهما كان زمن المباراة، فجأة أخطف الكرة وأسجل هدفاً غير متوقع يقلب النتيجة خلال ثوانٍ. وعلى المستوى الدولي، يؤكد ماجد أنه لم يعرف إلا عام 1995 حين تصدر قائمة نادي المائة كأكثر لاعبي العالم تمثيلا لمنتخبات بلادهم، وذلك بعدد 147 مباراة. ورغم أن الاتحاد الدولي ألغى من السجل 7 مباريات ودية وأولمبية باعتبارها ليست من الدرجة (أ) إلا أن ماجد ظل متصدرا القائمة في الفترة من 1995 حتى 1998 حيث إن رصيده 140 مباراة وكان رصيد أقرب منافسيه 138 مباراة. ويضيف: حظيت بشرف اختياري للمنتخب طوال الفترة من 1977 حتى 1994 (عدا فترات الإصابات)، واعتزلت الكرة على المستوى الدولي في يوليو عام 1994 بعد مشاركتي كقائد للمنتخب في كأس العالم في الولاياتالمتحدة. وفي العشرين من ذي الحجة لعام 1418 أعلنت اعتزالي الكرة نهائيًا بعد أن لعبت آخر مبارياتي مع نادي النصر قبل ذلك بخمسة أيام (12/4/1998) ضد فريق سامسونج من كوريا الجنوبية على نهائي كأس الكؤوس الآسيوية، وفاز النصر 1-0.