توفي قبل أيام علم من أهل الحجاز، ورجال الوطن، وهو الشيخ أحمد صلاح جمجوم، رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأبدله دارًا خيرًا من داره. وأدّعي أنني أعرف جانبًا من شخصيته الفذّة، ممّا قد لا يعرفه البعض، وذلك بسبب اتصالي به على مدى فترة طويلة، تعلّمتُ منه دروسًا في التمويل الإسلامي، وما يجب أن يكون عليه رجل الأعمال المسلم. كنتُ أبحث في مسألة في التمويل الإسلامي، تتعلّق بتمويل رأس المال الجاري، وكنت أعرف من معالي الشيخ رحمه الله، أنه يتعامل مع البنوك السعودية بغير النظام الربوي ذي الفائدة الثابتة على رأس المال. فذهبت للتباحث معه، حيث إن البنوك السعودية لا يعرف عنها، تمويل رأس المال الجاري بغير تمويل الحساب المكشوف، ذي الفائدة الثابتة على الرصيد في نهاية الفترة المتفق عليها. وكانت المفاجأة أنه -رحمه الله- يحصل على تمويل لحساب أعماله الجارية من بنك سعودي عريق، ليس على أساس القرض الربوي ذي الفائدة الثابتة، وإنما يحصل على هذا التمويل، بناء على ما يحققه عمله من أرباح في نهاية الفترة، وذلك بنسبة ما يمثله هذا التمويل من وزن في تمويل نشاطه التجاري، مقارنة بالتمويل الذاتي لهذه الأعمال. وأفادني أنه كان يقدم للبنك أضعاف ما تحققه الفائدة الربوية. وسألته -رحمه الله- عن أساس هذه الثقة، وكيف يمكن للبنك أن يفعل ذلك؟ ولماذا لا يفعل ذلك مع غيره ويجنب الناس المعاملات الربوية الظالمة؟ أفادني أنه يتبادل الثقة مع البنك خلال فترة طويلة، وأنه يمسك بدفاتر تجارية منضبطة، أورثته الثقة من النظام البنكي، وأنه لا يمكن أن يتجنب الربا ليقع في الكذب والاحتيال على البنك. هذا درس في التمويل الإسلامي، وقدوة لرجال أعمالنا، ومعلم يقول بصوت عالٍ إن التمويل الإسلامي صالح لتمويل النشاط الإنتاجي لرجال الأعمال، وليس فقط التمويل الاستهلاكي والبيوع، وهو ما انتشر الآن وعكس صورة غير مشجعة للنشاط المصرفي الإسلامي، لأنه نشر ثقافة الديون والائتمان، وأغرق الناس في نمط استهلاكي غير نافع للمجتمع والمستهلكين في الغالب. إن الثقة والنظام الذي أسسه معالي الشيخ أحمد صلاح جمجوم -رحمه الله- مع هذا البنك السعودي، يمكن أن يتكرر، وأن يكون هو النظام السائد، بدل التمويل الربوي الذي ألحق بالتجارة والمجتمع ما لا تحمد عقباه. إنني بهذه الإشادة بهذا العَلَم في حياتنا المعاصرة -رحمه الله تعالى- أدعو إلى إصلاح حياتنا المالية والمصرفية والتجارية، بعيدًا عن النظام الربوي، وأخص بالدعوة عَلَمًا آخر من أعلام المالية الإسلامية، وهو الشيخ صالح كامل، الذي يعيش بين أظهرنا ولله الحمد، ويتمتع بالصحة والعافية بفضل الله وعونه، ما شاء الله، ويتحمل مسؤولية بيت التجارة في جدة، وهو من رواد المصرفية الإسلامية، أدعوه أن لا يترك هذه الفرصة التاريخية لرئاسته بيت التجارة، إلاّ وقد أصلح الله تعالى به، حياة التجار والصناع، لكي تكون تجارة وصناعة بلا ربا، تجارة وصناعة لن تبور، وليس ذلك على الله بعزيز، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. والله ولي التوفيق. (*) الرئيس التنفيذي للمجموعة المتحدة للتأمين التعاوني أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز (سابقًا)