جاء الى المدرسة صباحا برفقة اثنين من ابنائه وهو يمسك كل واحد منهما بيد وجلسوا الثلاثة في احدى زوايا فناء المدرسة وهم يقلبون صفحات كتاب الرياضيات ودخلوا في نقاش عميق حول الدروس وطريقة الاجابة والاسئلة المتوقعة .. لم يخطر ببالي ان يرافق الاب ابناءه الى داخل احدى قاعات الامتحان ليجلس على احد المقاعد ويخرج من جيبه نظارته وقلمه استعدادا لقراءة الاسئلة والتمعن فيها واستحضار الاجابات التي سيشرع في تدوينها على ورقة الاجابة .. لكنها كانت المفاجأة عندما علمت ان ذلك الاب الخمسيني طالب بالصف الاول الثانوي وان الذي يجلس الى جواره بقليل هو ابنه الاوسط بينما كان الاخر ابنه الاكبر الذي يدرس بالصف الثالث الثانوي. كان المشهد يدعو للاستغراب والتأمل .. فقادني الفضول الى الاقتراب منه وسؤاله: انت تؤدي الاختبار ؟ اجاب بكل ثقة : نعم أنا هنا لأداء اختبارات نهاية العام وأملي أن أوفق .. انتظرته حتى انتهى من أداء الامتحان وبدأت في الحديث معه عن السبب في إصراره على مواصلة دراسته على الرغم من تقادم سنه .. اخبرني انه احيل على التقاعد منذ سنوات حيث كان يعمل موظفا اداريا بالخطوط السعودية ولا يحمل شهادة دراسية الا المتوسطة. يقول عبدالرحمن فقيه : بعد تقاعدي شعرت انني بحاجة الى مواصلة دراستي ونيل شهادة عليا حتى وان كنت كبيرا في السن وزادني ما رأيته في احدى التقارير الصحفية عن امرأة تكبرني في السن ما زالت تواصل دراستها بكل ثقة وتزاحم الطلاب والطالبات من اجل ذلك.. وجدت تشجيعا كبيرا من ابنائي وزوجتي واسرتي وحتى من اهالي الحي فقررت التقدم لمواصلة دراستي بالصف الاول ثانوي بنظام المنازل ووجدت ترحيبا ودعما نفسيا من ادارة المدرسة ومعلميها وبدأت اذاكر دروسي بمساعدة ابنائي الذين يدرسون في ذات المدرسة بشكل يومي. احسست بمتعة كبيرة وانا ارافقهم كزميل الى القاعة لنؤدي الاختبار وبعد ان ننتهي من الاجابة ونخرج يلتف الطلاب حولي يراجعون معي ما قمت بتدوينه من الاجابات واحيانا اشعر بالارتياح والفرح واحيانا بخيبة الامل لكنهم سرعان ما يبثون في نفسي الاصرار والعزيمة على مواصلة سيري. فقيه أبدى قلقه من نتائج المواد العلمية التي يرى انها بالنسبة له كابوس يواجهه نظرا لانقطاعه عنها ما يزيد على 30 عاما بينما يستحسن كثيرا المواد الادبية والشرعية ويصفها بالسهلة والممتعة له. وابدى تفاؤله بتحقيق نتيجة مرضية هذا العام والانتقال الى الصف الثاني واعدا بمواصلة السير في طريق العلم جنبا الى جنب مع ابنائه حتى الحصول على الدكتوراه.