في القرآن الكريم ليس هناك شيء يعادل الكفر سوى الظلم . عبر عشرات الآيات القرآنية اقترن الظلم بالكفر، وأحيانا استخدمت مفردة الظلم للإشارة إلى الكفر . وهي مؤشرات تدل على أن الظلم هو مرادف للكفر حسب التوصيف القرآني. وإذا كان هناك من دلالة على ما سبق ذكره ، فهو أن الغاية الكبرى لنزول الرسالة المحمدية تتمثل في تنظيم علاقة الناس بعضها البعض على أساس تحكيم قيمة العدل ، وجعلها الركيزة الأساس التي يقوم عليها الهيكل الاجتماعي للأمة الإسلامية . مع وجود الظلم يفتقد المجتمع الإسلامي أهم الخصائص التي تعكس الإيمان الحقيقي ، ولو كان أفراد هذا المجتمع حريصين كل الحرص على أداء الشعائر والنوافل . ومع وجود العدل يبلغ المجتمع الإسلامي الذروة في الإيمان والفهم والتطبيق لمقاصد الشريعة . في رأيي أن مسألة سوء تقدير المسلمين لأهمية قيمة العدل ، تعود إلى المفهوم القاصر والرائج لكلمة العبادة الذي اقتصر في أذهان الكثيرين على أداء الشعائر . والحقيقة أن العبادة في الإسلام منهج حياة متكامل يسعى إلى ترسيخ منهج سلوكي يرفض بصرامة التعدي على حقوق الآخر .. أو بمعنى آخر يرفض ممارسة الظلم أو القبول به . وهنا يأتي دور الشعائر التي يعتقد الكثيرون أنها غاية ، بينما هي وسيلة تعين المرء على محاربة هوى نفسه وتساعده على مقاومة كل الإغراءات التي قد تجعله يميل إلى إلحاق الظلم بالآخرين . ولعل ما يؤكد صحة هذا الاستدلال هو عدم اكتفاء القرآن الكريم بالأمر بالصلاة وإنما تأكيده على وجوب إقامة أو تقويم هذه الصلاة . والأهم من ذلك هو الربط العضوي بين أداء شعيرة الصلاة في القرآن الكريم ، وبين الالتزام بمكارم الأخلاق والنهج السلوكي القويم : ((أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون)) العنكبوت . لقد سكتت قريش عن ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل بعد اعتزالهما الأوثان ، لأنهما لم يطالبا برفع الظلم كما جاء في الرسالة المحمدية التي رأت فيها قريش انتصارا للمستضعفين وتهديدا لنظامها الاجتماعي بالكامل . الدين مسخر لخدمة الناس ، وهذا يعني أن من يخدم الدين يجب أن يخدم الناس وألا يبغي عليهم في المقام الأول .