وطننا وطن حديث يئن بهموم لا يستشفّها إلاّ ذو حظ عظيم، فكيف نتناغم مع الوجود الإلهي ونحن نصارع التحديث، ونتنفس العولمة، ونرى أمامنا نقطة تحوّل في المفاهيم وحتى في نظرتنا للدّين. من ارتفاع للمعيشة بشكل فجائي إلى أمراض مستعصية وزلازل، قضايا شائكة اجتماعية، اقتصادية، تركيبية عنكبوتية ينسجها مجتمع يأبى التخلّي عن القبلية. نرى الإنسان يتحوّل وبشكل مفاجئ كما رأينا في برنامج الإعلامي سعود الدوسري “نقطة تحول” شيخين موقرين في أعلى المناصب في أبهة جديدة، ومفاهيم جديدة، ونقطة تحول جذرية في المفهوم الدنيوي والديني، ولا أعني هنا النقطة التي ناقشها الأخ سعود في تحوّلهما من معارضين إلى مؤيدين، بل بالمفهوم العام لرجالات الدّين كما تعودنا عليه في كتب السلف وما فيها من توصيات عن تقشف رجالاتها، ووصية الخلفاء الراشدين والصحابة رضوان الله عليهم جميعًا بأن من شروط الرجالات الذين يتولون مناصب حكومية أو مدنية بأن ينأوا بأنفسهم عن الدنيا وزينتها ومغرياتها. فإننا الآن أمام نهج جديد من تركيبة اجتماعية ودينية، فالكل أصبح له لون آخر عمّا عهدناه، والجميع يبحث عن دور يلعبه ضمن هذه التركيبة الجديدة. رائحة العود الوطنية أصبحت مستوردة، سيوفنا أصبحت صينية الصنع، أمّا بشوتنا وغترنا فأصبحت إيطالية أو فرنسية، وبأفضل الاحتمالات بحرينية التطريز، محلياتنا أصبحت نادرة، طعامنا أصبح ملوثًا بشتى أنواع المبيدات، هواؤنا نستنشقه بصعوبة وكأننا أصبحنا ندفع ثمنه. ولنا عبرة في الاقتصاد العالمي بدءًا من أمريكا، ووصولاً إلى الاقتصاد الأوروبي المنهار حاليًّا، مفاهيمنا الاقتصادية هي عبارة عن استيراد ومنع للتصدير، صناعتنا نادرة، أهواؤنا غالبة، مشغولون بالمناصب والمذاهب، وبالأضواء والمسميات الرنانة، نتكالب ونتسابق على الارتقاء من دون استحقاق ولا تعب ولا نصب. “نقطة تحول إيجابية” وراءها جندي مجهول يعمل من وراء الستار لقلب المفاهيم والأولويات والجذور بكل حنكة وبصيرة للوصول إلى المأمول، فهل الجندي هو الزمن القدر المحتوم؟ أم عالم أصبح يناطح السحاب ويرقى بالأسباب، ويتفانى في العطاء، ونحن نجر أقدامنا للعبور؟ متى نعبر الخطوط، ونستقبل العصر الجديد بنقطة ابتداء من عصور عفا عليها الزمن، ونعبر تاريخ أمجادنا الجغرافية التي ننتظرها كأمة تحول من الجذور؟ ليبدأ كل إنسان بنفسه ليغير مفاهيمه، ويواكب التطور المذهل في شتى مجالات الحياة، ولنأخذ بيد الآخر ونعبر الخطوط، فنحن كأمة وضعنا المحظور ولم نفهم أننا في عصر لابد فيه من تغيير جذري للمفاهيم حتى نقدر أن نعيش ونثمر في زمن طغى عليه التسابق لبلوغ أعلى الهرم مهما كان الثمن والفدية، تركيبتنا السفلية والعلوية جامدة، بنيتنا التحتية هشة، قوانيننا جائرة في زمن التطور، والتسابق الاقتصادي والسياسي لبلوغ مواقع الريادة، قراراتنا تنتظر التفعيل، أجهزتنا مرهونة بالأسماء وليس بالقوانين، ننتظر الجندي المجهول الذي بدأ تطوير المفاهيم والقوانين من تحت الستار، ومن خلف الضباب بأن يجعل من تطلعاتنا وآمالنا واقعًا ملموسًا، ونقطة عبور إلى عالم يواكب أجيالنا وآمالنا بأننا نستطيع وضع الحلول وتفعيلها ليصبح كل مواطن فخورًا بأنه ينتمي إلى أشرف بقعة مطهرة وقيادة رشيدة، وأنظمة ثابتة، وقوانين حامية، واقتصاد قوي، وفكر متسامح، لتكتمل الصورة، ونعيش واقعًا وليس حلمًا صعب المنال والوصول. همسة الأسبوع همومنا لها حلول، ونقطة التحوّل هي العبور، وأبناء وطننا هم الثروة والجذور.. *كاتبة سعودية للتواصل مع الكاتبة [email protected][email protected] basmasaoud.blogspot.com