عادة غريبة وغامضة، يرجّح بعضهم أنّ أصولها عربية، وهؤلاء ممّن يجتهدون في نسبة كلّ شيء للعرب، فالذين يزورون باريس، ويمرّون على جسر الفنون، سوف يُصابون بالدهشة حينما يرون الأسوار هناك مليئة بالأقفال، وحين يقتربون منها يجدونها تحمل أسماء العُشّاق الذين تعاهدوا على الوفاء، وألقوا بمفاتيح الأقفال بعد إغلاقها في نهر “السين”. بعضهم يقول إنّها عادة إيطالية تعود إلى رواية عاطفية باسم “أوفوليا دي تي” ومعناها “أرغب فيك”، للكاتب “فيديريكو موتشيا”، إذ يغلق بطلا الرواية -وهما رجل وامرأة- قفلين يحملان اسميهما على عمود مصباح في “بونتي ميلفيو” في روما قبل أن يتعانقا ويرميا المفتاح في نهر “التيبر”. وهناك من يعيدها للبندقية، وهناك من يربطها بمدينة روميو وجولييت حيث الجسر الحجري، وفي الصين يصعد السيّاح إلى أعلى جبل “هوشان” ليشاهدوا الأقفال التي تتدلّى مجتمعة كالعناقيد وعليها أسماء العُشّاق. أمّا العرب فإنّهم يقولون إن أجدادهم في الجاهلية كانت لهم عادات هي التي أوحت للأوروبيين بفكرة أقفال العُشّاق، فقد كان الرجل إذا أراد سفرًا عمد إلى شجرة فعقد غصنًا من أغصانها بآخر، فإذا رجع ورآه معقودًا زعم أنّ معشوقته لم تخنه، وإن رآه محلولاً زعم أنّها خانته، ولهم في ذلك أشعار منها قول القائل: هل ينفعنك اليوم إن همت بها كثرة ما توصي وتعقاد الرَّتَمْ والرتم نوع من الشجر يعقد المحبّون أغصانه عند السفر. وقد يأخذ خيطان من برقعها وخيطًا من برده ويعقدهما، ولهما في ذلك أشعار منها قول سحيم: (إذا شُقَّ بُرْدٌ شُقَّ بالبُرد بُرْقعُ). ويبدو أنّ بلدية باريس قد عادت إلى موضوع الشجرة عند العرب؛ حيث إنّها تفكّر في انتشال الأقفال من على الجسور الباريسيّة، ووضعها في شجرة معدنيّة، حيث تواجه البلدية معارضة حماة البيئة الذي يرون أنّ الأقفال تشوّه منظر الجسور، والمفاتيح المعدنية تلوّث مياه النهر، وكل ذلك يضر بالبيئة، وبخاصة أنّها كثرت في الأعوام الأخيرة، حيث يأتي السيّاح والعُشّاق الذين يقضون شهر العسل في باريس وينقشون أسماءهم على أقفال الحب ويقذفون بالمفاتيح في قاع النهر، وهم يعرفون أنّ أحدًا لن يمسّ أقفال حبّهم بأذى، في أسوأ الأحوال سوف يجمعونها في شجرة معدنية ربّما سيقول العرب أنّها تشبه شجرة الرتم تلك التي كان أجدادهم يعقدون أغصانها، ولم يذكروا أنّهم يأخذون منها الهراوة والعصا.