ما أصدره خادم الحرميْن الشريفيْن الملك عبد الله من قرارات لمعاقبة المتسببين في كارثة سيول جدة، وإيقاف إصدار صكوك للمخططات القائمة في بطون الأودية، ينبغي أن يُعمم على جميع المدن والمناطق، فالرياض كانت عرضة لكارثة لا يُحمد عقباها لو استمرت أمطار يوم الاثنين 19/5/1431ه لمدة أطول بسبب ضعف شبكات تصريف السيول وعدم اعتماد ميزانيات تنفيذ الشبكة بشكل كامل على مدينة الرياض، فالميزانية المرصودة للشبكة البالغة 3 مليارات لم يُعتمد ويصرف منها إلا 100 مليون ريال فقط - كما قال سمو أمين الرياض لجريدة الوطن ، ونجد سموه صرَّح لقناة العربية بأنَّ شبكة صرف مياه الأمطار في مدينة الرياض لا تغطي سوى 30%، وهذا تصريح خطير فإن كانت الرياض، وهي من أكبر العواصم في العالم لا تتوفر فيها شبكات الصرف، وجدة التي تعد من أكبر المدن التجارية في العالم حدث فيها ما حدث فما بالكم بمدن كالمدينةالمنورة والطائف وتبوك وبريدة، والدمام... إلخ. وما قيمة المشاريع العملاقة والكبرى إن كانت البُنية التحتية هشة؟!.. فأمطار لم تستغرق الساعتيْن، ولم تتجاوز 25 مم أغرقت معظم طرق الرياض وأنفاقها وأحيائها، وأغرقت بيوتاً ومحلات تجارية ومركبات، وتكوّن أكثر من 400 تجمع للمياه داخل أحياء الرياض. إنَّ فرضية أنَّ بلادنا صحراوية، ولا تتعرض إلى أمطار غزيرة فرضية خاطئة 100%، ترتب عليها إهمال شبكات الصرف وضعفها لدرجة أنَّها لا تقوى على صرف مطر خفيف لا يتجاوز 25 مليمتراً. فمعروف جغرافياً أنَّ المناطق الصحراوية أمطارها قليلة لا يتعدى معدلها السنوي 100 مم، ولكنها تهطل على شكل زخَّات قوية، بينما شبكات الصرف في بلادنا صُمِّمت على صرف 25مليمتراً فقط، وكنا نحسب أنَّ كارثة سيول جدة أيقظت المسؤولين عن شبكات الصرف والمجالس البلدية من سُباتهم العميق، وتداركوا الأمر في مدنهم قبل وقوع كوارث أخرى، ولكنَّنا كما يبدو مصرون أن تقع في كل مدينة كارثة ونفقد أعزاء، ونفقد ممتلكات، ولا نستفيد من الدروس السابقة، ومعروف أنَّ خُرم الأوزون سيسبب تقلبات في الجو في العالم، والمملكة الآن تتعرض لهذه التقلبات، ومخططو المدن وأحيائها وطرقاتها وأنفاقها وجسورها ينبغي أن يركزوا على إقامة بُنى تحتية قوية تصمد أمام كل هذه التغيرات، ونمد شبكات صرف تستوعب معدل يتراوح بين 200-300 مليمتر، وفي المناطق الساحلية والتي تجري فيها أودية رئيسية تستوعب معدل يصل 500 مليمتر، فبلادنا مليئة بالأودية التي تكوَّنت في العصور المطيرة التي مرَّت بشبه الجزيرة العربية قبل آلاف السنين، وهناك دراسات تشير إلى احتمال عودة هذه العصور إلى شبه الجزيرة العربية، والأودية الجافة حالياً عند هطول الأمطار تمتلئ بالمياه التي تتخذ مجاري كثيرة تجرف معها كل ما يصادفها في طريقها. ومع هذا فقد بُنيت طرق جديدة دائرية ومستقيمة وأنفاق بدون عمل فتحات تصريف للمياه، وكذلك ما ذكره الدكتور محمد أحمد الجوير في مقاله الذي نشر في جريدة المدينة في 26/5/1431ه، بأنَّ أمانة الرياض قامت بإغلاق العبارات المهمة في طريق الدمامالرياض والمصممة أصلاً لتصريف السيول، مما أدى إلى غرق كثير من الاستراحات. ونجد شبكات صرف في الرياض ينتهي بعضها إلى براميل كبيرة، ولا توصل بشبكة الصرف الرئيسية!!! ينبغي أن يكون مد شبكات صرف مياه الأمطار من أوليات الأمانات والبلديات، وتصرف ميزانياتها المعدة لها شريطة أن تكون رقابة صارمة على التنفيذ، فكما يبدو أنَّ الرقابة تكاد تنعدم لدينا، فتُعمل أنفاق بدون شبكات صرف، والذي حدث في نفق الإمام حديث البناء حيث دمّر أحد جدرانه، والذي حدث في جامعة الأميرة نورة، وهي حديثة البناء أيضاً، حيث اقتلعت نوافذها وأبوابها من العاصفة الترابية التي تعرَّضت لها الرياض قبيل أمطار الإثنين، وسقطت إحدى بوابات الجامعة في حين تجد أبواباً من الشينكو التي توضع على بوابات المباني التي قيد الإنشاء لم تقتلعها تلك العاصفة، كما تسربت المياه من الأسقف لعدم وجود عوازل حيث سقطت أجزاء من الأسقف المستعارة، وبُنيت المباني بمنسوب منخفض عن الشارع العام فأغرقت المياه الدور الأرضي لمباني الجامعة، وكذلك مباني البنات بجامعة الملك سعود بالرياض التي تم استلامها من المقاول قبل عدة أشهر لم تُعمل عوازل للأسقف فتسرب الماء من خلالها وسقطت أجزاء من الأسقف المستعارة، ومباني الإسكان الخيري في شرورة التي تصدعت وطفحت فيها المجاري!!! ويرجع هذا إلى انعدام الرقابة وجشع المقاولين فالمشروع الذي يصرف له ميزانية وقدرها تسعمائة مليون ريال ينتقل من مقاول من الباطن إلى مقاول آخر إلى أن يصل إلى 70 مليون ريال، فكيف ينفذ مشروع مقدر له 900 مليون ريال بأقل من سبعين مليوناً لأنّ المقاول الأخير يريد أن يكسب أيضاً ؟ فأنا هنا أناشد المسؤولين باعتماد ميزانيات شبكات الصرف الصحي ومياه السيول والأمطار في جميع المدن والقرى بالمملكة بأسرع وقت ، وأن تُكوَّن لجان تحقيق مع الشركات المنفذة للأنفاق التي تضررت من الأمطار، وانهارت جدرانها، وكذلك مع الشركات التي نفّذت شبكات الصرف الصحي ومياه الأمطار، وأن تطبق المادة الثامنة والسبعون من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، ومنع التعامل مع المقاول الذي نفذ مشروعا تنفيذياً معيباً أو مخالفاً للشروط والمواصفات الموضوعة له. هذا مع إلزام الشركات التي ترسى عليها المناقصات بتنفيذ المشاريع، ولا تعطيها لمقاولين من الباطن، وأن يُحاسب المهندسون من موظفي وزارات المياه والشؤون البلدية الذين عيِّنوا للإشراف على تنفيذ تلك المشاريع. كما أناشد معالي زير التعليم العالي بمحاسبة الشركات التي نفذّّت مباني جامعتي الأميرة نورة، وجامعة الملك سعود، وأيضاً يُساءل المهندسون الذين عينتهم وزارة التعليم العالي للإشراف على تنفيذ هذيْن المشروعيْن. وأناشد أيضاً معالي وزير الأشغال العامة والإسكان أن يسائل الشركة المنفذة للإسكان الخيري في شرورة والمهندسين المشرفين عليه.وتكون هناك عقوبات صارمة على المقصرين، وتعلن أسماؤهم في الصحف ليكونوا عبرة لمن تسوِّل له نفسه الغش والتجارة بأرواح الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من غشنا ليس منا)، وهؤلاء ليسوا منا. يا أصحاب السمو والمعالي نحن نريد أن نسير في طرق لا نلقى حتفنا فيها بسقوط القليل من المطر، ونريد أنفاقاً لا تكون مقابر لنا الداخل فيها مفقود، ونريد السير على جسور لا تسقط بمركباتنا ونحن فيها، ونريد أن نسكن في بيوت لا تداهمنا فيها مياه الأمطار لعدم وجود شبكات صرف في أحيائنا، ونريد جامعات ومدارس نأمن على أولادنا وبناتنا فيها. فنحن أمانة في أعناقكم ستسألون عنا يوم القيامة، فإذا كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخشى من تعثر دابة في البصرة، لأنَّ الله سيحاسبه على عدم تمهيده الطريق لها، فما بالكم ببشر يغرقون في أنفاق وسيول، ويتعرضون لإصابات كبيرة قد تودي بحياتهم لسقوط أبواب أو نوافذ، أو حوائط أنفاق عليهم، وقد يغرقون.