في عددها الأربعاء 14/5/1431ه نشرت (عكاظ) عنوانين بارزين على صفحتها الأولى، الأول يقول «الوزارة تعترف .. لا فائدة .. الوافدون 8 أضعاف المواطنين في القطاع الخاص»و الثاني يقول «5 وزارات تبحث مستقبل توظيف المبتعثين» وكلاهما معنيّ بتوظيف المواطنين . فأمّا الثاني فهو تحرك مبكّر لم نعهده من قبل، لتلافي كارثة بطالة عشرات الآلاف من أبنائنا العائدين من بعثاتهم، والأمل أن يكون هذه التحرك جادّاً، وفعّالاً، ومبنياً على إحصاء دقيق وفقاً للتخصصات التي يدرسها أبناؤنا الأعزاء وأوقات تخرجهم وعودتهم إلى الوطن العزيز. فالمعلومات عن أعداد وتخصصات المبتعثين والمبتعثات، وتوقيتات بعثاتهم، وتخرجهم، موجودة -أو هذا هو المفترض- لدى وزارة التعليم العالي. وأما الأول وهو الموضوع الرئيس لهذا المقال، فقد أثار في نفسي الشجون، من جانب، ومن جانب آخر أثبت وعلى طريقة شهد شاهد من أهله كل ما سبق لي أن كتبته، وكررته على مدى عدة سنوات -حتى بُحّ صوتي- حول قرارات وزارة العمل ومن قبلها مجلس القوى العاملة، ومعهم إمارات المناطق، وبرامجهم لتوطين الوظائف، وأنها غير واقعية، وغير قابلة للتطبيق، وأنها ستفاقم مشكلة بطالة المواطنين، بل حتى أنني قلت: إن قرارات السعودة يمكن أن ينطبق عليها القول الشهير (لم ينجح أحد) ولكن أحداً فيما يبدو لم يكن ليصدّقني ، حتى جاء اليوم إقرار الوزارة بذاتها بما توقّعته منذ عدة سنوات. فأخيراً .. الوزارة تعترف بأن نتائج خططها لتفعيل السعودة دون المستوى المأمول، وأن الفائدة المنتظرة من توظيف السعوديين في القطاع الخاص لم تتحقق، وتقرّ بعدم فعالية استراتيجية التوظيف التي تنتهجها في ظل الاستجابة لطلبات الاستقدام المقدمة من الشركات الملتزمة بنسبة السعودة. لاحظوا معي هذه العبارة الأخيرة التي تُنبئ عن عدم ارتياح الوزارة لاستجابتها لمن (التزموا) بنسبة السعودة، ولكم أن تتصوّروا تعاملها مع من عجز عن تحقيق نسبة السعودة غير الواقعية في الكثير من القطاعات الاقتصادية. ما علينا. وأنا أؤكد للوزارة بأنها لن تنجح ما لم تستمع لصوت العقل والمنطق، وتكفّ عن النظر للقطاع الخاص على أنه عدو للسعودة، وأنه جشع، وأنه استمرأ الاستقدام، وفي نفس الوقت تريد منه أن يخلق المزيد من الفرص الوظيفية للمواطنين، على طريقة .. ألقاه في اليم مكتوفاً و قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء ، ما لم تتخلّص الوزارة من هذه النظرة، وتغيّرها إلى نظرة الشراكة مع القطاع الخاص فلن تنجح. لقد أدت النظرة السلبية للقطاع الخاص إلى خنقه، وإلى كبح انطلاقته، بل ودفعت ببعض قطاعاته إلى الخروج إلى البلدان المجاورة، ولعل كلمة معالي وزير العمل -عجّل الله بشفائه وعودته سالماً بإذن الله- الشهيرة عندما ردّ على تهديد بعض رجال الأعمال بتفكيك مصانعهم ونقلها إلى الدول المجاورة بأنه سيكون أول المودّعين لهم في المطار، تؤكد هذه النظرة. إن قرارات السعودة التي لم تميّز بين القطاعات، وظروف تشغيلها، ومدى تأهيل وإقبال السعوديين على العمل فيها، لم تنجح إلاّ في إضعاف عدة قطاعات، منها النقل العام، الذهب والمجوهرات، الصناعة، المقاولات، وهذا الأخير وأعني قطاع المقاولات انكشف ضعفه في السنوات الأخيرة، والذي تمثل في بطء وتعثّر تنفيذ مئات -إن لم يكن آلاف- المشاريع، وتعطيل التنمية الحضرية خارج المدن، وفي ضعف جودة التنفيذ. ففي الوقت الذي ضيّقت فيه وزارة العمل على منح التأشيرات للمقاولين، استقطبت الدول الأخرى العمالة الماهرة والأكثر كفاءة، وبقي لنا الأقل كفاءة .. حتى القرارات التي صدرت بتخفيض نسبة السعودة في قطاع المقاولات ميّزت بين المقاول الذي يتعاقد مع الحكومة والذي يتعاقد مع القطاع الأهلي، ولا أعرف سبباً وجيهاً لهذا التمييز !! وأيضاً لن تنجح الوزارة ما لم تصحّح قاعدة المعلومات التي تبني عليها استراتيجياتها وخططها، وأعني بذلك قاعدة معلومات الوظائف التي يشغلها الوافدون، التي تم تشويهها بسبب قرارات السعودة التي حظرت عشرات الوظائف على الوافدين وقصرتها على السعوديين، في حين أن أعداد السعوديين المؤهلين والراغبين في العمل فيها لا تسد عُشر ما يتطلبه سوق العمل، وبالتالي نجد أن مئات الآلاف من الوافدين يعملون في ذات الوظائف المحظورة ولكن بمسميات وظائف أخرى، وأذكر على سبيل المثال وظائف البيع (بائع-مساعد بائع-مندوب مبيعات) عليها حظر وتضييق شديد، وبنظرة عادية في أسواقنا سنجد أن أكثر من 90% من وظائف البيع يقوم بها الوافدون!!. ولذلك .. لعل أول قرار على وزير العمل إصداره -لو كنت مكانه- وقد ثبت له عدم فعالية استراتيجية التوظيف التي تنتهجها وزارته، هو قرار إلغاء قراري حظر الوظائف اللذيْن اشتملا على قائمتين طويلتين من الوظائف المحظور على الوافدين العمل فيها، والدعوة إلى تصحيح مسميات الوظائف في رخص إقامات الوافدين ورخص العمل، وبدون رسوم وبدون أي تعقيدات، وتحريرها تماماً بحيث يُصبح بإمكان صاحب العمل والعامل تغيير المهنة أو الوظيفة وفقاً للواقع وللترقيات والتغييرات التي تحدث من وقت لآخر. كل ذلك من أجل بناء قاعدة معلومات صحيحة عن أعداد الفرص المشغولة في كل وظيفة من الوظائف ، فإذا عرفنا أعداد الوظائف الحالية، وحددنا ما تحتاجه من مؤهلات و مهارات، سيكون بإمكاننا من خلال المتخصصين في مجال الإحصاء والتنبؤ، ووضع الخطط الصحيحة لإعداد وتأهيل المواطنين لشغل هذه الوظائف في المستقبل. وأما القرار الذي يليه في الأهمية فهو التعرف على جذور مشكلة بطالة المواطنين، والتي تعود في جزء منها إلى جوانب تتعلق بثقافة المجتمع، ثم التحول من مفهوم إحلال المواطن مكان الوافد إلى مفهوم خلق الوظائف للمواطن.. الحديث يطول ولعلي أعود إليه لاحقاً.