قرأتُ ذات مرة لأحد كبار العلماء في بلادنا أنه سافر مرة واحدة فقط إلى خارج المملكة، وشعرتُ أن فضيلته يقولها وكأنه ارتكب ذنبًا أو استباح محظورًا لأني أعلم أن غيره كثير ممّن لا يحبّذون السفر، بل وأحسب أن بعضهم يرى فيه منقصة لمكانته ومشيخته. وهؤلاء بالكاد يسافرون إلى مكة للعمرة، أو الطائف للاجتماع أو العمل. ومع احترامي لوجهة النظر هذه وتقديري لحرية اختيار أصحابها، لكني أود إثارة سؤالين مهمّين في نظري. الأول: كيف يتسنى للعالم الاطّلاع على أحوال المسلمين في غير هذه البلاد؟ وكيف يمكن لعالِم تحديد موقفه أو إبداء رأيه في قضية تخص المسلمين جميعًا إن لم يكن له سابق خبرة بأحوال الناس في معظم ديار المسلمين، خاصة إذا كانت من نوازل العصر المستجدة التي لا بد من دراستها، والوقوف على متغيراتها شخصيًّا، دون الاكتفاء بقول زيد أو رأي عبيد؟ هذا إذا أراد علماؤنا فعلاً حضورًا عالميًّا واضحًا يتجاوز الانكفاء على الداخل فحسب. السؤال الثاني: أليس من باب ممارسة الأخوة الإسلامية الصادقة زيارة العالِم لأخيه العالِم المسلم في بقاع الأرض المختلفة، تحقيقًا لمبدأ التواصل الذي يدعو إليه الإسلام باستمرار؟ التلاقي يفتح أبوابًا موصدة، ويجيب عن أسئلة حائرة، ويؤصل لمبدأ الحوار، ويمهد لمزيد من الفهم لقضايا المسلمين وهمومهم وآمالهم وآلامهم. هذا الحضور المتواصل يحقق بلا شك عالمية العالم، ويصنع منه مرجعية يقدرها أبناء العالم الإسلامي حتّى أولئك الذين يعيشون في غير ديار المسلمين. وأمّا أكثر فوائد السفر فإثارته الحنين إلى الوطن بعد غربة تطول أو تقصر. وكم قالت العرب عن حب الأوطان، فهذا بلال في دار الهجرة يخاطب بطحاء مكة الطاهرة قائلاً: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادٍ وحولي إذخر وجليل؟ وهل أردن يومًا مياه مجنة؟ وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ والشوق إلى دار الحرمين مضاعف، فقد جمعت المحاسن من كل جانب، هي مهوى الأفئدة، وقبلة المسلمين، وكلّما زاد البعد عنها زاد الشوق إليها، وارتفع حظها، وكبر مقامها، وعظم جنابها. [email protected]