أتذكرون الحملات التي تقام من وقت لآخر وترفع شعارات لفظية لها مثل الحملة الثقافية التي قدَّمت لنفسها بعبارة (كتاب لكل مواطن) أو الحملة التي نادت ب(مسكن لكل مواطن) لا أدري لماذا تقفز أمامي تلك الشعارات وأنا أرى حملة متنامية تحيط بنا من كل جهة وتداهمنا من كل اتجاه وتمارس فيها كل الأساليب التجارية وغير التجارية لفرض مبدأ غاشم في حرب شعواء بلا هواده ولا رحمة، حملة تحاول فرض واقع غير متكافئ الفرص ولا عدالة فيه، مبدأ علينا تحمله شئنا أم أبينا، جرّب أن تأخذ عائلتك في نزهة إلى حديقة أو إلى تناول طعام الغداء أو العشاء في مطعم محترم أو مقهى عائلي وستجد حصاراً مفروضاً عليك ممَنْ يقدم الخدمة، سيأتيك الجرسون ليأخذ طلبك من الأغذية والمشروبات ولابد أن يختم طلبه بعبارة صارخة مستفزة حيث يقول لك (وهل تريد شيشة أو معسّل) وإن كان الجرسون من جنسية غير عربية بادرك بلكنة أعجمية (تبغى سيسة) أدخل مطعماً محترماً مع أبنائك أو فندقاً وجرّب أن تطلب الطعام فلابد من السؤال أعلاه، وإذا كنت ممَنْ رحمك الله من داء التدخين ورددت للسائل الجواب ب (لا) فسترمقك بعض النظرات باستغراب لماذا لا تتناول المعسَّل أو الشيشة إن ذلك مخالف للعرف في المجتمع والقاعدة السائدة التي تسعى أصابع خفية لنشرها وهي قاعدة أو مبدأ (شيشة ومعسَّل لكل مواطن ومقيم) نعم حتى المقيمين شملتهم هذه الحملة ووصلهم هذا الداء العضال، بل أن البعض منا يتهم بعض الجنسيات العربية بأنهم سبب انتشار هذه العادة السيئة في شكلها الجديد (المعسّل) بين فئات المجتمع ويا لسوء ما نرى لا فرق بين عزاب وعوائل ولا نساء ولا رجال ولا مواطنين ولا مقيمين ولا متعلمين ولا جهلة فالجميع يتبارون ويظهرون محاسنهم في كيفية التعاطي مع هذا الكيف بكل رحابة صدر وانتفاخ رئة، تعلو وجوههم ملامح الفخر ويملؤهم الزهو والإعجاب بأنهم مدخنو معسّل وشيشة، لقد انتشر هذا الداء العضال وليس في المنازل فقط فهذا شأن الشخص وحريته الشخصية، بل هناك فنادق فخمة ومطاعم راقية تنازلت عن وقارها وسمحت بانتشار المعسّل فيها طمعاً فيما يدره من مكاسب مالية يسيل لها لعاب أصحاب تلك المنشآت التجارية والترفيهية. والعجب العجاب كل الجهات الرقابية: وزارة التجارة والأمانات والبلديات تلتزم الصمت الرهيب أمام هجمة المدخنين على غير المدخنين حتى أصبح من لا يدخن قلة مستضعفة تهاجمها أسراب المدخنين بلا هواده ولا رحمة وأصبح من يدخل مطعماً أو مقهى عائليا أو فندقا ويأتيه السؤال المحرج (سيسة) يخجل ويتوارى ويرتد طرفه وهو حسير قائلاً (مع الأسف لا، لا اتعاطى الشيشة أو المعسّل فأنا لست من أكثرية المدخنين). ألم أقل لكم إنها حملة شرسة ترفع شعار (معسّل لكل مواطن ومقيم)، وخوفي من يوم يتحوّل الشعار إلى ((معسّل وشيشة لكل طفل رضيع)) وعجبي.