كم تعبث الحواس بخيال الساذجين وتبعدهم عن أرضية الواقع بالذات ممن هم في عمر الطيش وانجراف الشباب ويتضح ذلك في الركض وراء تقاليع متغربة وتقليد حياة مشاهير الشخصيات المرفهة والنجوم التي تحيط نفسها بهالات من الأضواء البراقة، تتناقلها الصور وتلاحقها الأخبار وعدسات الكاميرات الظاهرة والسرية والشائعات. فملأت النفوس الضعيفة بهذا الوهم الكاذب وسلبت العقول رشدها وتمييزها للصواب. فالمتأمل لتلك الفئات المخملية سيدرك سريعا مقدار العيوب والنواقص الواضحة والخفية التي تغرق فيها. وما يلازم حياتهم من الآلام والمتاعب والأزمات التي جلبتها الشهرة وهذا البريق الخادع. وكثيرا ما يصابون واسرهم بالندم فيما بعد من جراء تلك الحياة المقنعة التي أبعدتهم عن الراحة والاستقرار وافقدتهم البساطة والهدوء الشخصي والمعيشة المتوازنة. وأوقعتهم فرائس سائغة للطامعين في تسخيرهم بأشكال مرفوضة، لجلب الأموال حتى آخر قطرة من دمائهم ليلاً ونهاراً، مما يجعلهم ينصرفون مستقبلاً إلى نواحٍ أخرى أكثر كرامة وعطاء وآدمية. ومن جهة أخرى فإنه رغم وجود هذه الحياة الصاخبة في جهات من العالم، فإن لديهم وجوها اخرى راكضة تختفي بين زحام المدن وعواصم العالم القريب والنائي، تتميز بالجدية والكفاح منذ نعومة أظفارهم، وليس لديهم الرغبة لإضاعة الوقت والجهد والطموحات في العبث من أجل أوهام وسراب وزيف. فنحن نستطيع بوضوح متابعة خطوات أولئك الصغار والصبية والشباب ذكوراً واناثاً يسعون بإخلاص ساعات طوالاً، بين أروقة العلم وساحات العمل وفي مواقع الإبداع والهوايات النافعة، لا يخجلون من العمل بالساعة أو الأسبوع في تنظيف حدائق الأقارب والجيران وتقليم الأشجار والحشائش وبيع الجرائد بالصباح الباكر وتوصيل الطلبات للمنازل، وغسل وتنظيم ارضيات المحلات والمطاعم على سبيل الخبرة العملية واستغلال أوقات الفراغ المتاحة لديهم في اعمال تطوعية بيئية. هؤلاء اناس يقدرون مزايا ونعم الصحة والعقل والقوة والمال والموهبة وغيرها من عطايا بين ايديهم. يشغلون وقتهم بالمفيد النافع ليس لأنهم فقراء ولا محتاجون فهذا لا ينقص من قدرهم، بل لأنهم يخجلون من الاتكالية ويرفضون الفراغ المدمر والعقول الخاوية الخربة، انهم جادون كادحون وليسوا اناساً مزيفين.