رفض الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في كامب دافيد الثانية فكرة أن يكون ما تحت القدسالشرقية للإسرائيليين وما فوقها للفلسطينيين، لكن ما يحدث الآن بعد مرور عقد على رفض عرفات لذلك العرض المريب يؤكد على أن إسرائيل تجاوزت ذلك كله ووصلت إلى مرحلة تقترب فيها من السيطرة الكاملة على المدينة ضاربة عرض الحائط بكافة القرارات والاتفاقيات الدولية المعنية التي تحظر التصرف في المناطق المحتلة. ما نراه اليوم يؤكد على أن حكومة بنيامين نتنياهو العنصرية وصلت إلى المرحلة النهائية في مخطط تهويد ما فوق القدس وما تحتها. ولنا أن نعدد بهذا الصدد ما شرعت في تنفيذه خلال الأسابيع القليلة الماضية لنقف على هذه الحقيقة المفزعة. فقد أصدرت مرسومًا خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة بإقامة 1600 وحدة استيطانية جديدة بالقدسالمحتلة، ثم أعلنت بعد ذلك بفترة ضئيلة عن افتتاح «كنيس الخراب» اليهودي بجوار المسجد الأقصى المبارك، وأعقبت ذلك مؤخرًا بالكشف عن مخططها لإقامة قطار أنفاق بطول عدة كيلومترات يربط بين شطري مدينة القدس أسفل المقدسات الإسلامية ويمر بالعديد من الكنس اليهودية الموجودة فعليًا تحت القدسالشرقية وفوقها. لا تتمثل خطورة هذا المشروع في العبث بأحشاء القدس، وإنما أيضًا ما تشكله الحفريات من خطورة على المباني والآثار الإسلامية التي تمتد بطول المدينة المقدسة، بما في ذلك المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وبما يجعل تلك المباني الأثرية معلقة في الهواء، وهو ما يعرضها للانهيار عند أي هزة أرضية مهما كانت درجتها منخفضة على مقياس ريختر. لا شك في أن هذه الممارسات تعتبر تهديدًا مباشرًا لعروبة القدس ومحاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض، الأمر الذي يتطلب تحركا عربيا وإسلاميا وفلسطينيا عاجلا وفاعلا للتصدي لهذه الانتهاكات الصارخة التي يمارسها المحتل الإسرائيلي في محاولة لمسابقة الزمن بغية حسم تهويد المدينة المقدسة وإضعاف الهوية العربية الإسلامية والتواجد الفلسطيني فيها في أقصر وقت ممكن مستغلاً الخلافات العربية والانقسام الفلسطيني وتردد الإدارة الأمريكية في اتخاذ موقف حاسم وممارسة ضغط حقيقي على تل أبيب لوقف هذه الانتهاكات.