يبدو أننا لم نزل نحن وإعلامنا وجهاتنا الرسمية والمتلقي بصفةٍ عامةٍ ندور في حلقةٍ مفرغةٍ! جهاتٌ رسميةٌ تُطالب بالمصداقية، وتوجيهات عليا صريحة تُطالب بالتأني، وعدم إثارة البلبلة والفتن، وتحري الحقيقة من مصادرها الطبيعية، وإعلامٌ يزعم الشفافية، ويرفع شعار المصداقية، والواقعُ خير برهان.. فهو يُصدِّقُ هذا كلَّه أو يُكذبّهُ! مَن يفتح الصفحات الأولى في بعض وسائل إعلامنا يندهش بذلك الزخم الهائل من التضخيم والتهييج والاستعجال! قضايا قد تقتضي المصلحة الوطنية، أو القضائية، أو الأخلاقية بقاءها في جوٍ من السريةِ حتى تتمكن الجهات المعنية من القيام بواجبها الرسمي في جوٍ صحيٍّ من المهنية والهدوء. والجهات الرسمية سواء كانت شرطة، أو هيئة، أو قضاء هي جهات مسؤولة، وتعمل وفق أنظمة ولوائح، وأيضًا هي خاضعة لجهات رقابية تتابع أعمالها، ناهيك عن متابعة ولاة الأمر -حفظهم الله-، وحرصهم على بيان الحقيقة وإحقاق الحق. لذلك فإن التدخل الصحفي غير الموزون، والذي يبتعد أحيانًا وبقدر كبير عن المهنية المطلوبة هو تدخل ضار غير نافع! وما يحصل هذه الأيام من تناول صحفي متزامن ومتنوع لبعض قضايا هيئة الأمر بالمعروف ليس جديدًا، ويجمعهُ قاسمٌ واحدٌ مشتركٌ وهو (الرغبة الغريبة في التضخيم والإثارة) حتى كأنّ المسألة تعدّت هذه الإثارة الصحفية الممجوجة إلى أن تتحوّل هذه الوسيلة الإعلامية الناقلة للخبر إلى وسيلة رأي خاص بها، تحاول أن تبثه وتحمل القراء عليه؛ ولذلك فهي تنشر الخبر بطريقةٍ تؤيّد هذا الرأي وذلك الفكر الذي تتبناه! إن بعض الصحف اليومية تتسابق لنشر وتضخيم أي خبر عن الهيئة فور حدوثه، دون أن تُعطي نفسها الفرصة الكافية، والتي توجبها الأعراف الصحفية العريقة في التحقق، وسؤال الجهة المعنية ومعرفة رأيها ونشره كاملاً دون نقص أو تشويه!! إن واجب الإعلام -وكما يصرح وينادي سمو النائب الثاني دائمًا- هو نقل الحقيقة، وتحرّي الصدق، ومساعدة الجهات المعنية، وليس تصفية الحسابات معها! إلى متى هذا التجاذب؟ ومتى نصل لقدرٍ راقٍ من المسؤولية والمهنية العالية؟ هذا ما نتوخاه ونؤمله من أبناء مجتمع كريم في بلد شع منه نور الخير والعدل والفضيلة. [email protected]