مع توافد ما يقارب من 30 عقاريًّا على موقع النادي الأدبي بمكة يوم أمس الأول والشروع في المزايدة العلنية، تحولت قضية بيع مقر أدبي مكة من حيز «الفكرة» إلى «التطبيق»، مصحوبة بآراء متفاوتة حول البيع نفسه؛ فلئن كان البعض قد رأى في عدد العقاريين الحاضرين للمزاد رقمًا ضئيلاً وغير متوقع، والمبلغ الذي وصل إلى (14) مليون ريال فقط، دلالات تشي بعدم أهمية الموقع - حسب رؤيتهم - وإلا لأقبل على المزاد مئات العقاريين من داخل المملكة في ظل الإعلانات المسبقة عن الموعد. غير أن الآراء المتفاوتة سبقت المزاد وأعقبته، فقد انقسمت آراء المثقفين والأكاديميين حول طرح المقر الحالي لنادي مكة الثقافي الأدبي للبيع في المزاد العلني إلى مؤيد لهذا التوجه ومعارض له. ويقف رئيس مجلس إدارة نادي مكةالمكرمة الأدبي الدكتور سهيل بن حسن قاضي -بالضرورة- في جانب التأييد لبيع النادي معللاً ذلك بقوله: إن النادي يريد بيع المقر الحالي الواقع في قلب حي العزيزية بالإضافة لأرض أخرى يملكها النادي تقع أمام مواقف السيارات على طريق مكةالمكرمة / جدة السريع، وبقيمة البيع من الأرضين يتم بناء الموقع الجديد الواقع على الطريق الدائري جوار المحكمة العامة، ومساحته عشرة آلاف متر مربع، الذي تم الانتهاء من التصاميم وأخذ التصاريح اللازمة لها. ويضيف قاضي: لا يوجد أمامنا خيار آخر لتطوير النادي وبناء المقر سوى بيع المقر الواقع بالعزيزية والأرض الأخرى وإنشاء مبنى نموذجي حديث يستوعب جميع أفراد المجتمع، وتتاح ممارسة الأنشطة المختلفة للجنسين والأطفال والشباب. الرافضون للبيع يقفون على الرصيف الآخر معضدين بالدكتور محمود حسن زيني بوصفه عضوًا سابقًا في مجلس إدراة أدبي مكة، والذي أعلن رفضه لهذا التوجه المائل نحو البيع، مذكرًا بأن المقر الحالي لأدبي مكة يمثّل رمزًا تاريخيًّا وتراثيًّا تنبغي المحافظة عليه، ودعوة أهالي مكة الموسرين لتوفير مبلغ آخر لإنشاء المقر الجديد مهما كلف الأمر؛ مؤكدًا أن مكة لديها رجال قادرون على بناء عشرات المقرات للأندية الأدبية وليس مقرًا واحدًا. وتأسيسًا على موقفه هذا طالب الدكتور زيني مجلس إدارة نادي مكة الثقافي الأدبي بالتريث وعدم المخاطرة ببيع مقر النادي الذي يمثل قيمة تاريخية وأدبية هامة والقيام بتحرك سريع للاجتماع وجمع أثرياء وأدباء مكة ودعوتهم للتبرع للنادي وإقامة المقر الجديد، فمكة فيها رجالات طيبون وكرماء وأسخياء وعلى رأسهم الدكتور محمد عبده يماني، والشيخ عبدالرحمن فقيه، والشيخ عبدالمقصود خوجة؛ فهؤلاء لا يكرهون شيئًا إلا أن يتخلفوا عن مكة، فهم يحبون مكة ويقدمون كل غالٍ وثمين لها، وحبّذا دعوتهم لإعانة نادي مكة لتجاوز هذه المحنة؛ لأننا وضعنا قبل مغادرتنا للنادي برئاسة معالي الدكتور راشد الراجح مخططًا متكاملاً لمستقبل النادي، وثلاثة ملايين ريال في الخزينة. ويتابع زيني حديثه مضيفًا: شيء مؤلم حقيقة أن هذا النادي التاريخي، وهذه الأرض التى لا تقدر بثمن أن تطرح فى المزاد العلني للبيع فى بادرة غير مسبوقة فى مكةالمكرمة، لأن مبنى النادى رمز تاريخي، فعلى إدارة النادى استثمار الموقع الحالي، والعمل لبناء الموقع الجديد. وأدعو وزارة الثقافة والإعلام أن تتبنى هذا المشروع، وتشرع فى إنشاء المباني للأندية الأدبية أسوة بالأندية الرياضية في المملكة، أما وقد وصل الأمر لهذا الحد فعلى أثرياء مكة أن يقوموا بهذا العمل لتجاوز الأزمة، لأن موقع النادي الحالي في قلب العزيزية وبجوار منى والمشاعر المقدسة مهم جدًّا، والتفريط فى الأرض ببيعها يضر بمصلحة مكةالمكرمة ومصلحة النادي. موقف الدكتور بكرى معتوق عساس وكيل جامعة أم القرى للأعمال والإبداع المعرفي يبدو متسقًا مع ما ذهب إليه النادي “مضطرًا” حيث يقول: إن مجلس إدارة النادي الأدبي في مكة لجأ إلى آخر العلاج فى مشكلة معاناة الأدباء والمثقفين والجمهور عامة وعزوفهم عن النادى باتخاذ آخر الدواء “الكي”. ومعلوم أن نادي مكة يمثّل قيمة عالية لدى المجتمع المكي، وأعتقد أن المرحلة تحتاج للتطوير، والتطوير يشمل تحسين الموقع حتى يتمكن النادي من استقطاب شخصيات عالمية، واحتضان عدد كبير من الجمهور الذى يتابع الأنشطة. ويستدرك عساس قائلاً: لكن لو كان هناك حلّ آخر فلا مانع، لكنني مع البيع أو الاستثمار للموقع مقابل أن يكون هناك دخل مستمر للنادي، على أن تتبنى شركات عملاقة تكاليف بناء المقر الجديد على أحدث طراز. وقريبًا من رؤية عسّاس يقول الدكتور عبدالعزير أحمد سرحان مدير عام مدارس الفلاح: إن الحل الحالي لقضية نادي مكة الأدبي تتمثّل في بيع المقر؛ ما لم يكن هناك تدخّل سريع من رجالات مكة أصحاب الأموال لتبني مشروع إعادة البناء وإنشاء صالات على مستوى عالٍ. فأهالي مكة كانوا يعانون منذ سنوات من ضيق مقر النادي الحالي بسبب التصميم القديم وعدم الاستفادة من المساحات الكبيرة لأرض النادي، كما أن موقع النادي أسهم في عزوف الكثير من المثقفين من أبناء مكة الذين يعيشون فى محافظة جدة أو الطائف أو حتى داخل مكة من عدم التواصل مع النادي. وامتدح الدكتور سرحان جهود رئيس النادي الدكتور سهيل قاضي، مشيرًا إلى أنه لم يتخذ هذا القرار منفردًا؛ بل حصل على إجماع من الأعضاء والمثقفين وموافقة وزارة الثقافة والإعلام لطرح مقر النادى للبيع فى المزاد العلني. خاتمة حديث السرحان جاءت مذكرة بأن مشروع تطوير مقر النادى من الممكن أن يتبناه شخص واحد فقط من رجالات مكة لو أرادوا ذلك، متنميًا من الدكتور سهيل عرض الفكرة على الموسرين. رجل الأعمال سعد جميل القرشي رئيس لجنة الحج والعمرة بالغرفة التجارية الصناعية بمكةالمكرمة أشار إلى أن مشاكل نادي مكة الأدبي كثيرة وهي التي قادت للوصول لهذا المستوى، معللاً كل ذلك إلى غياب التواصل بين النادي والمجتمع المكي؛ خاصة رجال الأعمال. مضيفًا: فالأنشطة التي تقام بعيدة عن المجتمع، ولا يعلم عنها إلا من خلال أخبار مقتضبة تنشر في اليوم التالي في صحيفة واحدة في الغالب؛ لذلك على مجلس الإدارة أن يبدأ بتفعيل جانب العلاقات العامة مع رجال الأعمال والمجتمع والمثقفين. ويكشف القرشي عن موقفه المتفق مع التوجه نحو البيع بقوله: أقف مع فكرة بيع المقر القديم للنادي كونه في قلب العزيزية، وأصبح منطقة زحام خاصة في موسم الحج والعمرة، وقريب من منى، ولهذا نؤيد فكرة بيع المقر وإنشاء المقر الجديد على الطريق الدائري الأول. وفي سياق الاتفاق مع مجلس إدارة أدبي مكة فيما أقدمت عليه، أشاد كلٌّ من الدكتور إبراهيم محمود فلاتة رئيس الجمعية العلمية السعودية للمناهج، والدكتور زايد عجير الحارثي عميد كلية التربية بجامعة أم القرى، والدكتور محمود محمد كسناوي الأستاذ المشارك بكلية التربية بفكرة البيع من أجل بناء المقر الجديد والحديث.