يقول سيد الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في التوجيه النبوي الكريم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» وقد حث نبي الهدى في سياق آخر صاحب العمل» ألا يكلف أجيره فوق طاقته، فإن كلفه بذلك فليعنه»،وفي أدبياتنا الإسلامية» ان الجزاء من جنس العمل». تحضر هذه النصوص العظيمة الممعنة في التواد والتراحم وقيم العدل والتقدير الإنساني في اللحظة التي استحضر فيها مشاهد الوجع الحقيقي الذي تعيشه أخواتنا وبناتنا.. معلمات المدارس(الأهلية). مقررا مقاربة الموضوع من الجوانب الآتية: 1-هلا استثمرنا هذا الخطاب الديني الخالص في معالجة مثل تلك المشاهد الموجعة التي يحدث بسببها أضرار اجتماعية وتعليمية شتى، بدلا من أن تستنفد هذه الخطابات كل طاقاتها في فتاوى الخوف من المرأة أو عليها - لا فرق - بتلك النظرة الغرائزية التي تختصر المرأة دائما في نموذج (الاغواء والفتنة) دائما! 2-بعد مايقارب سبعة عشر عاما من الكد والتعب في مراحل التعليم المختلفة تصطدم فتاة التعليم لدينا وهي تقرر أن تبدأ أولى خطواتها في عالمها الوظيفي المشروع بحاجة قاهرة رمت بها في أتون عالم(المدارس الأهلية)بعد انطفاء شعلة الأمل في فضاءات العمل الحكومي..وهناك تجد في انتظارها المهمات المستحيلة الآتية:(التكليف بجدول دراسي لايقل عن21حصة دراسية-الاشراف على فصل دراسي داخل المدرسة نظافة وترتيبا-الاشراف على أحد النشاطات الدراسية،كالاذاعة المدرسية التي تحتم على المعلمة الحضور المبكر قبل بداية اليوم الدراسي-إعداد دفتر التحضير-تقديم أوراق عمل مستمرة في كل حصة دراسية لمتابعة رصد درجات الطالبات في سجلات التقويم المستمر أولا باول-المشاركة في النشاطات اللاصفية والمعارض الفنية-المناوبة الأسبوعية التي تمتد أحيانا إلى الثالثة ظهرا...)كل تلك الأعمال يجب على معلمة(الأهلية)النهوض بها، وإلا فإن ثمة أوصياء ينتظرون أن يقوموا بدورهم الرقابي الذي يضعهم على المنصة الزاهية للمشهد،صعودا على أكتاف هؤلاء المغلوبات على أمرهن(مالك المدرسة الذي يهمه أن تستجيب أعمال معلمته إلى الدافع المادي فحسب - مديرة المدرسة التي تجعل المعلمة وسيلة لكي تقدم بها ذاتها للادارة التعليمية بصورة المسؤولة الحازمة الصارمة - المشرفة التربوية التي تجعل من المعلمة حقلا لتجارب وانتقادات لا تنتهي تملأ بها سجلاتها الفارغة!) 3-ولكن ماهو المردود(المادي)الذي يتناسب - ولو قليلا - مع كل تلك التضحيات والتحديات والضغوطات؟إنه بالتأكيد(راتب شهري) يتراوح ما بين(1500-2000ريال)علما بأن جزءا منه يذهب للتأمينات الاجتماعية(وأحيانا لايذهب،بحسب أمانة الادارة المالية في المدرسة)وهذان(الألفان)عندهما يتوقف راتب المعلمة حتى ولو قضت في المدرسة عقدين من الزمن،وبالتأكيد فالمجال لايتسع لإجازات اضطرارية من أي نوع لتكون الفرصة سانحة للحسم المرير الذي يدعم - بلا شك - الصندوق المالي للمدرسة،كما ان للمدرسة الحق في إلغاء عقد المعلمة في أي لحظة بقرار داخلي-فقط-للمدرسة،من غير الحاجة إلى ضرورة وجود لجنة محايدة ونزيهة لضبط هذا المشهد المصيري التعسفي الذي تظل معه المغلوبة على أمرها في قلق دائم،وبالمقابل فعندما تضطر معلمة ما لابتعاد حتمي لشهرين مثلا(إجازة بلا راتب)فلا يستجاب لها دائما،وعندما تجبر على الاستقالة فإن عليها أن تدفع راتب ثلاثة أشهر كشرط جزائي،وليس عليها المطالبة بالحصول على شهادة تثبت الخدمة والخبرة معا،ولابد أنكم تذكرون حادثة فصل ثماني معلمات لأنهن امتنعن عن تقديم كامل درجات(أعمال السنة)إضافة إلى مبالغتهن في مراقبة سير لجان اختبارات المدرسة،مما أدى الى انخفاض جماعي لمعدل درجات الطالبات،وهذا من شأنه أن يسبب كارثة مالية لتاجر المدرسة إياها! 4-هل يعقل عدم وجود دور منهجي نظامي لوزارتنا الموقرة(التربية والتعليم)حيال تلك المشاهد(التعليمية)أساسا!لتكتفي بركل الكرة البائسة إلى ملاعب الوزارات الأخرى.ألم تقم هؤلاء المواطنات بدور تعليمي تربوي داخل فضاء منشأة تعليمية؟ويضطلعن بأهداف الوزارة المنشودة في الرقي بالمستوى التعليمي التربوي لبناتنا(أمهات المستقبل المنتظر)؟ أم أن زاوية الرؤية قد حصرتهن في بوتقة(التاجر والعامل)فحسب!هل يعامل من شرف بأجل الأعمال وكان بها وريثا للأنبياء الأخيار ، بحسب مفاهيم(المالك والأجير)و(العرض والطلب)..يؤكد على ذلك الموقف السلبي-أو اللاموقف أصلا- للمؤسسة الحكوميةالتعليمية من حادثة الفصل آنفة الذكر،حيث»أقر مساعد مدير الادارة التعليمية بحالة الفصل تلك مؤكدا بأن إدارة التعليم جهة إشرافية للتأكد من سير العملية التعليمية على أحسن وجه،وليس من حقها التدخل في التوظيف أو الفصل،إذ على المتضررات التقدم لمكتب العمل والعمال»..(طيب)وإذا تأكدت الجهة الاشرافية التعليمية من كفاءة أداء المعلمة وقدرتها على النهوض بغايات التعليم الخالصة ثم قررت المدرسة الأهلية طرد تلك المعلمة لأي سبب ما،فهل يستوعب عاقل أن الأمر سيذهب برمته إلى مكتب العمل والعمال؟(سؤال حتمي واحد من أسئلة حارقة كثيرة يضيق بها ذلك البياض). وهذا يؤكد الفجوة الهائلة والتناقض الصارخ بين خطط مؤسساتنا الحكومية(مع بعضها البعض)كالفجوة والتناقض إياهما في خطاب مؤسساتنا الدينية والتعليمية والثقافية والاقتصادية،مما يفضي إلى مخرجات باهتة متوترة دائما! 5-وإذا كان الأمر بذلك الاضطراب فهل عرفت أخواتنا معلمات المدارس الأهلية ثقافة الحقوق التي يتساوين بها مع(عمالة)القطاعات الخاصة في الحقوق والواجبات؟..أم أن المشهد التعليمي الأهلي ممعن في الضبابية للدرجة التي يستطيع فيه تجار المدارس تمرير الواجبات دون التعريف بالحقوق؟ 6-وبعد فهل يعقل ان يتساوى(راتب)معلمة البلد مع المعلمة الوافدة،رغم الاختلاف الكبير في الغايات وقيم العمل وحق المواطنة وأوضاع المعيشة(أين الهوية التي نتشدق بها هنا؟) 7-أما إعانة الوزارة لتلك المدارس الأهلية فجدير بها أن تذهب كلها-على الأقل حتى تحل مشاكل التوظيف الحكومي-لرفع رواتب المعلمات،فحاجتهن إليها أكبر وأكثر من حاجة رغبة تجارية في الكسب لدى(ملاك)تلك المدارس المقتدرين(من الأساس)..