تتصف التربية التي تقدم الإجابات دائماً بأنها عملية عقيمة لا تؤدي إلى تنمية حب الاستطلاع، الذي يعتبر أمراً لا غنى عنه في عملية اكتساب المعرفة . وخطأ هذا النوع من التعليم الذي يقوم على تقديم الإجابات لا يكمن في الإجابة نفسها وإنما يكمن في القطيعة بين الإجابة والسؤال ، وهذا الخطأ يكمن أيضا في أن الإجابة يتم تقديمها بشكل منفصل عن السؤال الذي يثيرها ، ومن ثم لابد أن يتم إدراك الإجابة كجزء من السؤال وان ينشأ حب الاستطلاع عن طريق التساؤلات والإجابة عليها . " تربية القلب في مواجهة الليبرالية الجديدة " للمفكر التربوي البرازيلي " باولوفريري" ، كتاب ترجمه إلى العربية الدكتور سامي نصار يسرد سيرة حياة أفكار المؤلف التربوية في خبراتها ودلالاتها ، ليس من خلال تقسيمه إلى أبواب وفصول ، بل عبر المواقف والرؤى والصعوبات والتحديات التي اعترضت مسيرة حياته في المجال التربوي ، وما تمخضت عنها من دروس في فهم ظواهر المجتمع والتربية والعالم . لا يقبل "باولوفريري" بممارسة تعليمية تقتصر على قراءة الكلمة وقراءة النص ، ويرى ضرورة أن تتضمن الممارسة التعليمية قراءة السياق وقراءة العالم ، ويؤكد على أهمية التعليم من اجل إثارة التفكير النقدي والجدلي ثم اتخاذ القرار. وفي رأي باولوفريري ان الليبرالية الجديدة في العالم تختزل الممارسة التعليمية في نقل المعلومات للدراسين الذين ليس من المطلوب منهم استيعابها كي يتعلموها ، ولا تعترف الليبرالية الجديدة بأي نوع من التعليم يتجنب قراءة الكلمة من اجل قراءة السياق . وفي رأيه أيضا أن مثل هذا الفصل الإيديولوجي بين النص والسياق والشيء وسبب وجوده ، ينطوي على خطأ لا يغتفر لأنه يتضمن سلب الدارسين شغفهم المعرفي . ومؤكداً على أهمية التربية النقدية مراراً وتكراراً ، لا يقتنع المؤلف بالحجة بان تدريس محتوى معين وإيداعه في عقل المتعلم سوف يمكنه إن عاجلاً أو أجلاً من الإدراك النقدي للواقع ، بل في رأيه ليس من المفروض من المربي التقدمي أن ينفذ مهمة التدريس بطريقة ميكانيكية ، كما انه لا ينبغي ألا يكتفي بنقل معالم الموضوع إلى المتعلمين . ويتعين على الممارسة التعليمية أيضا أن تبذل ما في وسعها لتهيئة مناخ داخل حجرة الدراسة يكون فيه التعلم والتعليم والدراسة أفعالا جادة وباعثة على السعادة أيضا . ويؤكد المؤلف أن العقل السلطوي وحده هو الذي يرى في عملية التعليم مهمة كئيبة ومملة ، في حين أن المربين الديمقراطيين يعتبرون عمليات التعليم والتعلم والدراسة مهاماً جادة ومطلوبة لا تؤدي إلى الرضا فقط ، وإنما إلى المتعة والبهجة في ذاتها ولذاتها . أسلوب الكاتب مفعم بالعاطفة لكن دون إخلال بالالتزام بالموقف النقدي الذي يتبناه في كتاباته في التربية ، ولعل هذا الجانب العاطفي الشعوري في الكتاب الى الجانب العقلي ، هو الذي حدا بالناشر – حسب قول الدكتور حامد عمار في تقديمه للكتاب – إلي عنوان " تربية القلب" باعتباره الرمز الممثل لجماع الخبرة والتربية التي استهدفها "باولوفريري " ، والتي أكد أن لا غنى عنها في فهم العالم من خلال التفكير النقدي .