تعاني بعض الزوجات من تعليق أزواجهن لهن، ورغم سعي بعضهن للخلع والمطالبة بتطليقهن لتتسنى لهن معاودة الحياة من جديد، أزواجهن يعتقدون أنهن ملك لهم يحق لهم منعهن من حقوقهن التي كفلها لهن الله عز وجل. تمضي الأيام والسنوات وتكاد هؤلاء النسوة أن يفقدن زهرة شبابهن في انتظار ورقة الخلع والتي من خلالها يبدأن التفكير في مستقبل آخر يرسمنه وفق طموحاتهن وأحلامهن. "الرسالة" فتحت ملف النساء المعلقات لتستوضح أسباب تعليق الزوج لزوجته، وما هي الحلول الواجب فعلها حينما يتم التعليق، وما دور القضاء في حل الظلم الواقع على المرأة من زوجها؟ وغيرها من المحاور في ثنايا هذا التحقيق: أسباب الطلاق ابتدرت الدكتورة سناء محمود الثقفي أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية جامعة الملك عبد العزيز حديثها مع "الرسالة" موضحة أسباب الطلاق فقالت: قد تتعذر الحياة الزوجية فلا تتحقق منها مقاصدها الأساسية وعندها يكون احد الحلول: أن يتفق الزوجان على الطلاق، أو أن يكون الزوج هو الراغب في الطلاق، أو أن تكون الزوجة هي الراغبة في الطلاق، و بما أن الطلاق بيد الرجل فالافتراضان الأولان لا يسببان أي مشكلة له لأنه قراره، أما الحالة الثالثة التي ترفض فيها الزوجة وتتقدم بطلب الطلاق للزوج فقد تحدث إحدى الحالات التالية: أن يوافق الزوج على هذا الطلب، أو أن لا يوافق ويطلب تدخل الأهل، أو أن يوافق بشرط تعويضه بالمال، أو أن لا يوافق ويطلب منها اللجوء للقضاء. وهنا سؤال: هل من حق الزوج التحكم في الزوجة ورفض طلبها؟ وتجيب الثقفي على سؤالها، قائلة: وهنا يلفت نظرنا عظمة هذا الدين الذي يراعي مصلحة الأسرة ثم الأفراد، فقد أحاط الله تعالى العقد الزوجي بحماية عظيمة ووضع التحصينات اللازمة لحماية الأسرة من الانهيار، فالعلاقة الزوجية ليست علاقة عابرة والطلاق له وقته وكيفيته التي لا بد فيها من مراعاة الإصلاح بين الزوجين عند النشوز وتدخل الحكمين عند الشقاق ثم بعد المحاولات التي تبوء بالفشل يكون الطلاق بخطواته المحسوبة، والتي اشترط فيها الإسلام على الزوج عدم الإضرار بالزوجة ومراعاتها وإعطائها النفقة في بعض الحالات والمتعة، فلا يجوز للرجل أن يضر بزوجته إذا كان لا يريدها ولا أن يعلقها، أما إذا أرادت الزوجة الطلاق فجعل الله تعالى لها حق الخلع وعندها تأتي رغبة التعليق من الزوج انتقاما لنفسه وغضباً لرفضها له وقد يعلقها رغبة في الضغط عليها لتدفع له مال وقد يعلقها ليمنعها من ممارسة حياتها الطبيعية وقد يعلقها رغبة منه في أن تراجع نفسها لتعود الحياة بينهما، وعلى كل حال فليس للرجل الحق في أن يمتنع من طلاق زوجته إذا رفضت الحياة معه. التعليق والضرر! وتُشدد الثقفي أن تعليق المرأة قد يسبب لها الضرر ولكنه ليس عذرا للوقوع في الفاحشة فتقول: ويفترض البعض أن المرأة قد تتعرض للانحراف عند تعليقها لأن الرجل لا يعتبرها زوجة ولا يسمح لها بممارسة الحياة الزوجية مع غيره، وأنا أقول انه لا يجوز للرجل أن يعلق زوجته بنص صريح من القرآن ولا أن يسبب لها الضرر، كذلك لا يجوز للمرأة بحال أن تعتبر ذلك عذراً للوقوع في الفاحشة، فمن ابتليت بشيء من ذلك فعليها اللجوء للقضاء لأخذ حقوقها والصبر حتى تحصل عليه، أما القضاة فهم المسؤولون أمام الله عن نصرة المظلوم ورد الحقوق وأسال الله أن يعينهم على هذه الولاية. أسباب تعليق الزوجات! من جانبه يوضح الشيخ حمد الرزين القاضي في المحكمة العامة بجدة " أسباب تعليق الزوج لزوجته بقوله: "تعليق الزوج لزوجته له عدة أسباب من أهمها: رغبة الزوج في زوجته وحبه لها ، ولا يهمه نظرة الزوجة له، فيحاول أن يضغط عليها بتعليقها حتى ترضخ له وترجع. وكذلك محاولة الزوج الحفاظ على رباط الأسرة وعدم تشتيت الأولاد، ولو كان ذلك على حساب سعادة الزوجين، ومضارة الزوجة، حتى تفتدي نفسها وتدفع له مقابل الطلاق عوضاً، أو تسقط حقوقها التي في ذمته من حقوق مستحقة كالنفقة و مؤخر الصداق و نحوه. وأيضاً الطمع في دخل الزوجة من راتب أو إرث أو نصيب من ريع وقف ونحو ذلك، حتى لا ينقطع عنه هذا الدخل الذي يأتيه بغير مجهود. ويُضيف الرزين فيقول: التعليق نوع من أنواع المضارة، والمضارة محرمة بنص الكتاب والسنة، بقوله تعالى: (و لا تضاروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن..) الآية، و قوله صلى الله عليه و سلم: (لا ضرر و لا ضرار)، وعلى ذلك أسس العلماء لقاعدة الفقهية المعروفة: الضرر يزال، و من ذلك نعرف أن الشريعة لما حرمت المضارة لهذه الدرجة القوية دلت على أن الإضرار بالمرأة و تعليقها جريمة في حقها، يأثم بها الرجل إثماً عظيماً، لأنه قد يضطر المرأة أن تمارس ما لا ترضاه فتمد يدها للغير طلباً للمساعدة و قد تتنازل بذلك عن شيء من شرفها وعفتها، وقد يعرضها ذلك للانحراف الأخلاقي، وذلك إثم عظيم يتحمل وزره الأول الرجل الذي ربما اختلط في ذهنه عقد النكاح مع الرق والسبي، فيعتقد أن المرأة أمة اشتراها من سوق النخاسة وأصبحت ملك يمين له يصرفها كيف يشاء. المناصحة هي الحل! ويُشدد الرزين على أهمية المناصحة بين الزوجين لحل هذه الإشكالية فيقول: الحلول تدور بين فلك المناصحة للزوجين، فتنصح أولاً الزوجة بالصبر على زوجها إذا كان فيه صفات حسنة وصفات سيئة، فتنظر له من الجانب الحسن ما أمكن ذلك وصبرها عليه فيه أجر عظيم لها، ولم لشمل أسرتها، ثانياً نصح الرجل و تخويفه بالله و أن عليه أن يعدل سلوكه الذي كرهته بسببه الزوجة، أو أن عليه أن يسرح زوجته بإحسان ويعطيها حريتها، والقاضي يحل القضايا الزوجية بعد استنفاد سبل الإصلاح الودي بإحدى طريقتين: الأولى: المخالعة وهذه تكون في يد الزوجة فمتى بذلت المرأة الصداق عوضاً في الخلع، و ظهر تضررها من الزوج؛ وجب حينئذٍ على القاضي أن يخلعها منه، الثاني: فسخ النكاح وهذا بيد القاضي متى ما ظهر له الضرر المحدق بالمرأة فإن عليه وجوبا أن يزيل الضرر عنها تطبيقا للآية الكريمة (ولا تضاروهن) و لقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر و لا ضرار). الرجل المتسلط! وينتقد الأستاذ عمرو الرافعي المحامي والمستشار القانوني الفهم القاصر لدى الرجل لمعنى القوامة فيقول: قوامة الرجل المتسلط على زوجته في مجتمعنا تمددت بكل أسف وبالغت في هذا التمدد حتى أصبح ذا صلاحيات فضفاضة وواسعة غير مرسومة الملامح أو المعالم، فنجد بأن سلوكيات الرجل المتسلط تندرج وبكل وضوح تحت معاني القهر والاستبداد والتسلط على الزوجة، فالفكر الثقافي لدينا وبشكل عام يتوارثه الرجل بمزاجية التصرف وتفرده الأوحد لأي قرار مصيري داخل الأسرة، فأصبح التعامل البدائي هو المسيطر لغالب الحالات المأساوية التي نتعايش معها داخل أروقة المحاكم، حيث إن التأثير الثقافي والبعد الديني أسهما وبشكل كبير في زيادة حجم الظلم على المرأة، فالمرأة المعلقة أصبحت ظاهرة اجتماعية بعد أن كانت حالة نادرة في السابق، وبكل أسف نجد أن قلة عدد القضاة وتأخرهم في بت هذا النوع من القضايا جعل حياة الزوجة المعلقة في جحيم مستعر طيلة فترة نظر النزاع أمام القاضي. نوع من الانحطاط! ويُضيف الرافعي فيقول: يكفي أن نرى أن هناك فرقاً كبيراً بين إجراءات طلاق الرجل لزوجته، وبين إجراءات طلب طلاق المرأة من زوجها، حيث أن الرجل بإمكانه تطليق الزوجة في يوم واحد فقط، بينما تستغرق فترة انفصال المرأة عن زوجها في أروقة المحاكم الشرعية شهوراً طويلة وقد تمتد لسنوات! وذلك بحجة أن المرأة قد تكون متعجلة في طلب الطلاق! وأن تقصد تأخير النظر في طلبها قد يجعلها تتراجع فيه وتتعقل في طلبها، الأمر الذي جعل هذا الوضع إساءة للمجتمع من حيث تناوله لقضايا المرأة بعين الإنصاف