إذا كانت الانتخابات العراقية التى جرت مؤخرًا “برغم التحفظات عليها وشبهات التزوير” تمثل تحوّلاً مفصليًّا في تاريخ بلاد “الرافدين” وممارسته الديمقراطية، فإن الانتخابات السودانية في ابريل المقبل تعتبر أيضًا تحوّلاً نحو الممارسة الديمقراطية ببلاد “النيلين”، وإعطاء الشعب حق الاقتراع بعد غياب دام 20عامًا عقب الانقلاب العسكري “يونيو 89” الذي أفضى لحكومة الإنقاذ الحالية. وإذا كانت الانتخابات العراقية جرت في جو مشحون بالتفجيرات، والأحزمة الناسفة، والتوجهات الطائفية، وتدخلات من هنا وهناك.. فإن الانتخابات السودانية تحيط بها أخطار عديدة إن لم تُحسن مفوضية الانتخابات الأحزاب والكيانات المتنافسة التصرّف بعقلانية وحكمة مع “الحق الانتخابي، والاقتراع النزيه والشفاف” ومن الملاحظات غياب ثقافة الانتخاب بالنسبة للأجيال الجديدة التي لم تمارس هذا الحق، وهى تشكّل نسبة كبيرة من الناخبين إضافة إلى أن اتفاق السلام في “نيفاشا” الموقّع بين حكومة البشير والحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان بقيادة الراحل جون قرنق قد أرست محتوى الانتخابات واستفتاء الجنوب على الوحدة أو الانفصال فى 2011م، وكلها مسائل تأخذ برقاب بعض.. لقد قامت مفوضية الانتخابات السودانية المستقلة بالإعداد للانتخابات المعقدة، حيث تبلغ عدد بطاقات الاقتراع 8 بالنسبة للشمال “رئاسة الجمهورية، والوالي، والبرلمان الاتحادي، والبرلمان الولائي، والمرأة، والقائمة الحزبية، والدوائر الجغرافية، والمجالس التشريعية الولائية”. أمّا في الجنوب فتبلغ 12في مجتمع يتميّز بالأمية الانتخابية، وكل هذه تعتبر من الصعوبات التي تواجه الناخبين السودانيين. ومثلها مثل أي انتخابات فقد بدأت الأحزاب المعارضة في التحدث عن رصد حالات للتزوير في السجل الانتخابي ونية التزوير في بطاقات الاقتراع، وكلام يتناثر هنا وهناك عن طباعة بطاقات اقتراع الرئاسة السودانية في الداخل؛ ممّا يفتح المجال واسعًا في إمكانية التلاعب في العد والفرز. لقد ألقت هذه الاشياء بظلال قاتمة على المشهد الانتخابي السوداني، وقطعًا “نتمنّى ألاّ يفخخ” بأحداث عنف لا تشبه الشخصية السودانية المسالمة، وأن تجري في جو معافى، وإذا تم تأجيلها يكون ذلك “بالتراضي”، ثم ألاّ تكون خصمًا على أمن وسلامة السودان إنسانًا وأرضًا ووحدةً واستقرارًا.. وبالتالي فالانتخابات السودانية بذات أهمية “العراقية” مع وجود الاختلافات بحسب المكان والزمان والتاريخ والمجتمع.. وتتمثل إيجابياتها في التداول السلمي للسلطة “إذا صدقت النوايا والممارسات” وتمكين الناس من حكم أنفسهم بأنفسهم، وتقديم أنموذج مميّز يدلل على أن الديمقراطية خيار جيد يحترم “انسانية” البشر، وأن زمن الانقلابات قد ولّى إلى غير رجعة في زمن “العولمة”. ويمكن القول إن انعكاسات الانتخابات تتمثل في تأثيرها القوي على وحدة البلاد “سلبًا أو إيجابًا”، والأمن الإقليمي للسودان ول “9” من دول الجوار، وعلى رأسها مصر، وأمنها الاستراتيجى؛ لأن خروج إقليمجنوب السودان بالاستفتاء “الذى تمثل” انتخابات إبريل بروفة أولية لما سيكون عليه حاله بعد عام، سيضع “مياه النيل” وحقوق السودان “شماله كممر” ودولة المصب “مصر” في مأزق، وهو ما لا تسمح القاهرة به. قناعتنا تقول: إن التجربة الانتخابية وسلامتها ونزاهتها وما تفضي إليه من محصلة هى مسؤولية مشتركة بين المؤتمر الوطني الحاكم الذي يسعى للانتقال من حالة الانقلاب إلى الشرعية الدستورية وتجاوز جنائية “لاهاي” المطالبة “بمثول الرئيس السوداني أمامها بتهمة الإبادة في دارفور”، والاحزاب المعارضة بما فيها الحركة الشعبية التي تنادي بالانتقال لدولة القانون والمؤسسات بعيدًا عن استفراد المؤتمر الوطني الحاكم بالحكم ومفاصل الاقتصاد. ونتوخى أن يحرص الجميع على قيام انتخابات نظيفة خالية من الشوائب، تحافظ على الوطن وإنسانه، وألاّ تختطف من أى فصيل تحت أي مسمّى، المهم أن تنجح التجربة، وأن تبرهن على أن الشعب السوداني الذي -قام بانتفاضتين الأولى في عام 64 ضد حكومة الفريق إبراهيم عبود، والثانية في إبريل 85 ضد حكومة مايو العسكرية بقيادة المشير جعفر نميري- جدير بانتخابات حرة ونزيهة. لا سيما وأنه مارس الحق الانتخابي في 3 ديمقراطيات سابقة.