في تطور جديد أُعلن في الدوحة في الثاني عشر من مارس آذار الجاري أنّ الحكومة السودانية على وشك توقيع اتفاق إطاري جديد لوقف إطلاق النار وبدء مفاوضات نهائية مع فصائل مسلحة دارفورية أخرى تضاف إلى الاتفاق المركزي مع كُبرى حركات التمرد وهي حركة العدل والمساواة الذي وُقّع في شباط فبراير الماضي وهذا الاتفاق السابق مع حركة العدل والمساواة احتجّت عليه باقي الفصائل لأنّها لم تكن قد انضمت إليه فيما أكد خليل إبراهيم قائد حركة العدل والمساواة أن حركته ترفض دخول الخرطوم في مفاوضات سلام مع أي فصيل آخر وأنّها تطالب باحتكار هذا الملف بحكم أنّ المواجهات العسكرية مع قوات الحكومة تستفرد بها حركته وان باقي الفصائل لا وزن لها بمعنى أنها واجهات إعلامية وسياسية ليس لها ثقل على الأرض. وفيما ردّت بعض الفصائل على خليل إبراهيم مؤكدة حضورها ركّزت الحكومة السودانية على رفض اشتراطات إبراهيم وأكدت مُضيّها في اتفاق شامل لإقامة السلام في إقليم دارفور المغدور، وهذا الخلاف المتصاعد وكشف الحساب بين فصائل دارفور المُسلحة إنما يعكس حقيقة لطالما استشعرها المراقب العربي المنصف من أنّ ذلك التفريخ لفصائل دارفورية والانشطار الذي يُحوّل حركة واحدة إلى ثلاث في وقت قصير وتلك الأنشطة والمؤتمرات الدولية التي أوقف العالم لأجلها كانت تحمل وراءها أجندات دولية وأطماعاً انتهازية وصولية من غالبية تلك الفصائل التي شاركت في مأساة دارفور خصوصا والسودان عموما، ومع حرصنا الشديد لإيقاف هذا النزيف وعودة الاستقرار إلاّ أنّ هناك سجلا لا يُمكن أن يُطمر في تاريخ هذه الفصائل وعلاقتها بالراعي الدولي ودوافع الشراكة معه مع انه كان بالإمكان أن يتوصل لهذا الاتفاق قبل هذه السنوات التي أحرقت الأخضر واليابس ونالت من السودان ومن شعب دارفور. وهذا لا يعني أنّه لم يكن هناك تقصير بل وجرائم ارتكبت في حق أهل دارفور من البعض في الجانب الرسمي، وهي قضية اشتعلت قبل ثورة الإنقاذ وارتبطت بموقف حزب الأمة في حينها لكن اختلط الجانب القبلي وصراع المراعي بها ثم اُلتقطت كمشروع له الأولوية لواشنطن والمنظمات اليهودية ودخلت عندها تلك الفصائل في هذا التهييج العالمي وتصعيد العمل العسكري الذي قُتل خلاله وبسببه عشرات الآلاف من أبناء دارفور ومن أشقائهم في الجيش والشرطة السودانية وهذه الفصائل التي تتصارع الآن على مصالح إدارة النفوذ وحكومة دارفور الفدرالية تتسابق لتحصيل قسم من الكعكة المليئة بالدماء والتفرقة بعد أن شعرت بأن موسم دارفور العالمي انقضى وهناك مواسم أخرى تسعى واشنطن وأوروبا لتحريكها خاصة بان السودان لم يعد مهدداً شرقاً وجنوباً فقط بل وصلت أطماع الصراع إلى الشمال وأضحت الفتنة تنقل إليه والمؤلم أنّ هذا الصراع على المصالح الذي أشعل حريق دارفور أضحى يهيئ له مشهداً آخر بفصائل شمالية تُجهز على ما تبقّى من السودان ولربما تلغي اسمه وحدوده وتقتسمه فصائل الصراع الجديد في موسم الهجرة إلى الشمال.