تفتق ذهن أبرهة الأشرم ،الحاكم الحبشي على اليمن، عن فكرة جهنمية تتلخص في قيامه ببناء كنيسة في اليمن وتحويل الحجاج العرب إليها وإلغاء الحج إلى الكعبة. وكما تذكر الروايات التاريخية احتج أحد العرب الغيورين بطريقته الخاصة على هذا التصرف الحبشي الأرعن. فما كان من الأشرم إلا أن قاد جيشه العرمرم إلى مكةالمكرمة من أجل هدم الكعبة في العام 570-571 م، وهو العام الذي عرف لاحقاً بعام الفيل الذي ولد فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن قدرة الله عز وجل كانت له بالمرصاد حيث أرسلت إليه طيراً أبابيل ترميه وجيشه بحجارة من سجيل. وكانت النهاية أن أصبح وجيشه كعصف مأكول. وفي هذه الأيام تفتق ذهن المشتغل بعلم الاجتماع المصري سيد القمني عن فكرة يراها عبقرية وما هي إلا فكرة أبرهة الأشرم ولكن بثوب تم تصميمه في القرن الحادي والعشرين. وبحسب صحيفة الراية القطرية الصادرة يوم الثلاثاء 9-3-2010 فان القمنى قد دعا إلى إنشاء «كعبة» بسيناء يحج إليها أتباع الأديان المختلفة. ولم يختزل القمني أهمية مشروعه العبقري في التقريب بين الناس في هذا العالم الذي وان تلاشت حدوده إلى درجة غير مسبوقة فان حدوده الثقافية والدينية أخذة في التباعد. بل يبرر القمني دعوته هذه بتبرير اقتصادي يتمثل في قوله بان هذا المشروع سيدر على الخزينة المصرية مبلغ 30 مليار جنيه. فهو يريد أن يؤسس ما أسماه الساحة الدينية. وهذا يعني انه يرى أن حج المسلمين الى الكعبة المشرفة ما هو الا سياحة دينية وليس ركناً من أركان الإسلام. والقمني بدعوته هذه لا يدعو فقط إلى إلغاء ركن من أركان الإسلام. بل وينادي بتمزيق الهوية الإسلامية التي تعاني قبل دعوته هذه من التمزيق الشيء الكثير. فالحج عامل من عوامل بناء الهوية الإسلامية حين يجتمع المسلمون من شتى بقاع الأرض على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وخلفياتهم الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لينصهروا في هذه البوتقة العظيمة وهم لا يعرفون أنفسهم إلا بأنهم مسلمون. ومع اطلاعي على بعض الدراسات النقدية الجيدة للقمني ، إلا انه قد سقط عندما دعا إلى هذا المشروع بهذه الطريقة. فمهاجمة ركن من أركان الإسلام وتغيير وجهة المسلمين من الحج إلى الكعبة المشرفة في المملكة العربية السعودية إلى الحج إلى «الكعبة القمنية» في مصر أمر يدعو للدهشة!! ومن هنا عارض علماء دين مصريون دعوته هذه. فها هو رئيس جامعة الأزهر السابق ورئيس اللجنة الدينية لمجلس الشعب أحمد عمر هاشم الذي صرح ل»العربية.نت»: يقول «مثل هؤلاء لا يقولون حقيقة الدين، لان الكعبة المشرفة في مكةالمكرمة من عهد ادم والملائكة وجميع الرسل ومذكورة في القرآن . وهذا كلام التخريف أنا ضده لأنه ضد الدين، ولا يجب أن نعيره أي اهتمام، لان القرآن حسم الأمر وقال «جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس». والسؤال الآن لماذا دعا القمني إلى هذه الدعوة؟ هل رحمة بالمصريين الذي قال إنهم يغسلون ذنوبهم ب 30 مليوناً سنوياً ، فهو يريد أن تتم عملية الغسل هذه في سيناء وبسعر أقل؟ أم أنه أراد لفت الأنظار وسقط في المذهب الميكافيلي فكانت غايته تبرر هذه الدعوة التي يراها وسيلة؟ لا أدري ولكن عفا الله عنا وعنه وأبعده الله عن من قال فيهم (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل. ألم يجعل كيدهم في تضليل . وأرسل عليهم طيراً أبابيل . ترميهم بحجارة من سجيل. فجعلهم كعصف مأكول). وقفة. (عما قريب ستكون قد نسيت العالم، وسيكون العالم هو الآخر قد نساك) ماركس أوريلوس (ق 3 م).