بدأت صباح يوم أمس الخميس أولى ندوات الجنادرية بعنوان «رؤية الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار السلام وقبول الآخر» بدأت الجلسة الأولى بمشاركة معالي الشيخ صالح الحصين ومعالي غازي العريضي ومشاركة يفجيني بريماكوف ، بلال الحسن ، د. تركي الحمد، توماس فريدمان ، أحمد بن حلي ، عرفان نظام الدين ونسق للجلسة محد رضا نصر الله. وذكر الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين في ورقته « أن الملك عبدالله هو ابن الملك عبد العزيز وسليل الأسرة السعودية وهو كأبيه وإخوته ملتزم دينيا بحكم أدلة ترتكز بشكل صريح على لإسلام حسب مصادره الأصلية القرآن، السنة، هذا الارتكاز وهذه المنهجية ليست شيئا طارئا مع ما عرف ب(الصحوة الإسلامية) في العقود المتأخرة انه يرتد إلى قيام الدولة السعودية منذ حوالى ثلاثة قرون حينما اتفق العالم الشرعي المصلح محمد بن عبد الوهاب مع حاكم الدرعية اذ ذاك محمد بن سعود على تطبيق الإسلام والدعوة إليه ومنذ ذلك الوقت والدولة السعودية ملتزمة بمقتضيات هذا الاتفاق حتى الآن ولربما يتراءى لبعض الناس البعيدين عن الجو السعودي أن انفتاح المجتمع السعودي على العالم ، وبناءه الأنظمة الاجتماعية وفق الصيغ المعاصرة ، وتحديث الدولة يعني انفكاكها من هذا الالتزام وتجاوبها مع ضغط العصر الذي جب تقاليد وثقافات كثيرة في العالم وهذا غير صحيح لا نظريا ولا واقعيا . أما بلال الحسن ذكر في ورقته «كثيرون هم القادة والسياسيون في العالم، ولكن القليل منهم من يترك بصمة على صفحات التاريخ. يتعلق الأمر هنا بالبنية الذهنية والنفسية للقائد. يتعلق بما يعتبره مهما، أو مفيدا، أو ضروريا. ومع الزمن، تتبلور شخصية القائد حسب تصرفاته. هذه النزعة لفعل ما يعتبر مهما أو مفيدا أو ضروريا، ليست نزعة تنبع من المحاكمة العقلية، بل هي تنبع من الفطرة، ثم تتلاقى الفطرة مع المحاكمة العقلية، وينتج ما يمكن أن نسميه قرارا تاريخيا. وفي مسيرة الملك عبد الله بن عبد العزيز ما يشير إلى هذا كله بوضوح كامل، فهو نشأ كأمير، وكان يمكن له أن يمضي في حياته كأمير، يحب الجميع ويخدمهم، ويحبه الجميع ويخدمونه. وحين تنغلق صفحات الحياة في النهاية، تنغلق على إنسان محبوب، وعلى سمعة طيبة، وكفى. ولكن هذا الأمير كان منذ بداية مهماته السياسية في الحكم، أميرا متطلعا إلى شيء ما. لم يكن يقبل أن يكون أميرا وكفى، كان يريد فعل شيء متميز. وحين تعبر هذه النزعة عن نفسها، وحين تتوالى الأفعال المتميزة، يصبح الأمير مختلفا عن غيره. إنه لا يختار ذلك، بل هو لا يفكر بذلك.ولكن الآخرين يبدأون بالإشارة إليه على أنه أمير مختلف. لقد أصبح الأمير عبد الله رئيسا للحرس الوطني، وكان الحرس الوطني في بدايته مؤسسة عادية، ولم تكن هذه المؤسسة العادية لتشكل إرضاء للأمير، ومن خلال عدم الرضى هذا وضع تصورا جديدا لمهمات الحرس الوطني يقوم على أساس الحوار الاجتماعي. الحوار بين البدو والحضر، وبهذا ولدت أمام الأمير مهمة حضارية كبرى، ستصبح مع الزمن ركنا أساسيا من أركان بناء المملكة العربية السعودية. وكثيرون في الوطن العربي يظنون أن الحرس الوطني هو مجرد قوة مسلحة، ولكن يفوتهم هنا الدور الحضاري لهذه المؤسسة. فهي مؤسسة ندبت نفسها للعمل في أوساط القبائل، واهتمت أكثر ما اهتمت في نقل القبائل من حياة البداوة إلى حياة الحضر، من حياة التنقل إلى حياة الاستقرار، من الترحال إلى الزراعة، ومن الإبل والخيل إلى استعمال أعقد آلات التكنولوجيا، ومن الثقافة الشفهية إلى ثقافة العلم بأدق أوصافه. وكل هذا من دون أن تقطع الصلة بين التطور وبين التراث، بل ومن خلال تثبيت قيمة التراث وارتباطه بالحاضر. وكل هذا هو ما أحب أن أطلق عليه (الحوار الاجتماعي). بعدها بدأت الجلسة الثانية وشارك فيها كل من بارتريك سيل ، د. خليل عبدالله آل خليل أ. فؤاد مطر د. مأمون فندي ، محمد بن عيسى د. محمد جابر الأنصاري قال محمد جابر الأنصاري في ورقته «من التجربة السعودية ، نرى أن الملك عبدالله قد نجح مبدئياً في فتح طريق الحوار الوطني . وعندما نقول الحوار الوطني في السعودية ، فإننا نتحدث في الواقع عن الائتلاف الوطني ، لأن غياب الحوار ورفضه بين مكونات المجتمع السعودية في الماضي كان يعني إلغاء أطراف من المعادلة أما الحوار الوطني فهو في واقع الأمر تجميع للمعادلة كلها واستيعاب لأطرافها كافة . ولابد لنا هنا أن نتوقف لدى تيار الفكر الديني المتمثل في حركة التوحيد النجدية السعودية . لقد اختلط الحابل بالنابل في تبيان حقيقة هذه الحركة الموحّدة حيث رميت بمختلف التهم غير الموضوعية. وبدايةً ، فإن فكر التوحيد ، والتحرر من الخرافات والبدع وتقديس غير الله ، والتمسك بأوامره ونواهيه . فكر يمكن أن تلتقي حوله مختلف الاتجاهات الاجتهادية الإسلامية ، بل مختلف الاتجاهات الروحية والإنسانية شريطة أن نعترف لها بحقها في الاجتهاد والوجود وإبداء المعارضة السلمية كذلك بما يحررنا من التعصب والتشدد والعنف الذي لا يلجأ إليه غير ضعاف النفوس وضعاف العقيدة. ثانياً : ينبغي ، قبل الحكم على حركة التوحيد ، رؤية دورها التاريخي الحقيقي . فقد ظهرت بالجزيرة العربية في ظروف تستوجب ما ذهبت فكرياً إليه ، ونجحت في مواجهة ومعالجة تلك الظروف ، فأنقذت الإسلام أولاً مما ألم به ، ثم أسهمت سياسياً في إقامة الدولة العربية السعودية التي كانت المرحلة التاريخية تستوجبها لإعادة وتيرة الحياة وأمنها واستقرارها إلى جزيرة العرب وأهلها بعد أن كانت ، كما أبان الباحثون ، تشهد حرب الكل ضد الكل . ولكن الظروف القائمة تغيرت ، وتغير معها فكر العالم ، وكما استوعبت تلك الدعوة ظروفها التاريخية الأولى ، فإنها مطالبة اليوم باستيعاب المستجدات وأخذها في الاعتبار. ومن الأخطاء الفكرية المميتة ، إغفال النظرة التاريخية الواقعية ، إلى أية ظاهرة . وذلك ما وقع لهذه الدعوة الدينية المطلوب منها في عصرنا النظر نظرةً تاريخية نقدية أيضاً إلى ذاتها وإلى الآخرين ، ومراجعة مفردات فكرها ومواقفها. ثالثاً : إني لا أرى ضيراً ، ولا مبرراً للحساسية في تسمية تلك الدعوة باسم داعيتها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله. فقد كان المصطلح الإسلامي طوال التاريخ مرناً وأطلق الباحثون مصطلح «الرسالة المحمدية» على رسالة السماء التي جاء بها النبي الكريم من لدن ربه ، كما أن مختلف المذاهب الإسلامية من مالكية وجعفرية وحنفية وشافعية وحنبلية قد سميت بأسماء أصحابها ودعاتها. وصحيح أن حركة التوحيد ليست مذهباً ، وأنها جاءت انبثاقاً من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، رضي الله عنه ، وهذا ادعى إلى أن تتسمى باسم صاحبها وداعيتها ولا ضير إطلاقاً في ذلك». وذكر فؤاد مطر في ورقته كانت «الدعوة السياسية» للملك عبدالله بن عبدالعزيز تستند الى الواقعية والعقل المنزَّه عن الغرض. وجاءت تصدر عن انسان مؤمن يعمل في دنياه بما يجعل آخرته موضع تقدير الناس لها تلهج ألسنتهم كلما أتى أحدهم على ذِكْر انجاز ما، بالثناء على عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان هاجسه ان يضفي على تاريخ الوالد الذي أسس ما من شأنه جعْل الرونق يزداد إشراقاً، كما كان الهاجس تحقيق المزيد من الانجازات وفي اطار سباق مع الوقت من جهة والزمن من جهة أخرى فضلاً عن المواكبة التي لا تتحمل التأجيل لظاهرة التطوير السريعة الإيقاع في عصر العولمة. ولأنه قائد مؤمن تعنيه مرضاة رب العالمين فإن التوفيق كان يحالف السعي. وكلما نجح مسعى وإن جاء النجاح دون المأمول، كان عبدالله بن عبدالعزيز يتطلع الى المسعى الآخر. وهو في سعيه كان يرى أن خير القول هو ما صدقه الفعل. بداية «الدعوة السياسية» تمثلت بتأملات لواقع الصراع العربي – الاسرائيلي والقضية الفلسطينية التي بات لا بد من ايجاد حل لها يغني عن التحضير العربي للحروب ويضع حداً للاحتراف الاسرائيلي للعدوان. ثم غدت التأملات أفكاراً صيغت بشكل مبادرة التف حولها القادة العرب في القمة الدورية التي كان من المفترَض بموجب الترتيب الأبجدي عقدها في أبو ظبي لكن رئيس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان رحمة الله عليه ارتأى كنوع من الدعم للبنان أن تُستضاف في بيروت يومي 28 و29 مارس 2002. وفي تقديري ان القبول بالإجماع للمبادرة وهو أمر غير مسبوق الى حد ما في عالم القرارات العربية التي من هذا التوجه ربما كان لن يتحقق لو أن صاحب المبادرة كان غير عبدالله بن عبدالعزيز. ولكن لهذا القائد لدى نظرائه، حتى الذين في نفوسهم مشاعر ضغينة أو حسد، قدْراً من الاحترام والإقرار بصدق عروبته وصفاء رؤاه السياسية ما يجعل التجاوب مع ما يطرحه من افكار يلقى الإصغاء في الحد الأقصى ويلقى التحفظ بنسبة بسيطة ما تلبث أن تنحسر. وما أراده عبدالله بن عبدالعزيز من مبادرته هو اختبار خبايا الموقف الاسرائيلي وإحراج الاطراف التي تعطي الاصدقاء العرب من طرف اللسان حلاوة. ولقد نجح الاختبار ذلك ان اسرائيل أكدت عدم الرغبة بالتسوية الموضوعية التي لا تقوم على قاعدة اعطاء صاحب كل ذي حق حقه لأن اسرائيل هي أولاً وآخراً سالبة حقوق غيرها، وإنما على قاعدة تأمين التهدئة والاستقرار للجانبيْن العربي والاسرائيلي والرضى النوعي للشعب الفلسطيني وهو رضى يمكن أن يؤسس مستقبلاً لصيغة من صيغ التعاون تتخلى بموجبها اسرائيل عن صهيونيتها وتتحول من كيان عدواني الى كيان يهتم بالتنمية والصناعة والتطوير بمشاركة الدولة الفلسطينية التي ستقام وتكون القدس عاصمتها على نحو ما هو محسوم في مضمون مبادرة السلام العربية».