من ينظر إلى الرحلات المكوكية للسيد جورج ميتشل في شرقنا الأوسطي يتعجب بل يضحك طويلا لأنها بكل صراحة وواقعية هي تمثيلية ما بين واشنطن وتل أبيب من اجل وضعنا أمام أمر واقع اسمه التنازلات بعد التنازلات من قبلنا نحن العرب إلى ابعد حد حتى ينتهي المطاف بالفلسطينيين في كانتونات هنا وهناك ، وإذابة شيء اسمه الدولة الفلسطينية القابلة للحياة ، التي لها على الأقل حدودها التي احتلتها إسرائيل عام 1967م بما فيها القدس وعودة اللاجئين. ولكن المضحك انه خرجت علينا مصطلحات للالتفاف على المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت ، كخارطة الطريق على سبيل المثال ، ومصطلح اللجنة الرباعية واتفاقات أوسلو وكامب ديفيد وشرم الشيخ وغيرها من المصطلحات التي تفاعلنا معها نحن العرب على غرار المثل العربي الشعبي الذي يقول «الحق الكلب إلى بيت أهله» لنرى نهاية لهذه المصطلحات وهل سوف تعيد لنا الأراضي العربية المغتصبة؟ إسرائيل في كل مرة وليس فحسب على وقت نتنياهو من حزب الليكود بل ومن قبله حزب كاديما وحزب العمل تماطل وتسوف وتخلق المشاكل والعقبات من اجل تركيعنا نحن العرب وإفهامنا أن إعطاء الأرض لأصحابها ورد الحقوق لهم ليس بالأمر السهل وليس بالبساطة التي يتخيلها العرب. فإسرائيل تعي جيدا وتلعب اللعبة جيدا بأن إعطاء بعض من الحقوق العربية سوف يفتح شهيتنا لأخذ المزيد وبالتالي فهي تلعب لعبتها بشكل جيد ومدروس من اجل هدفين : الأول وهو تربيط العرب بشكل عام والفلسطينيين بوجه خاص وأن هذا هو ما نستطيع التصدق عليكم به من أراضٍ وحدود احتللناها بل اغتصبناها رغما عن أنوفكم أيها العرب، والأمر الآخر تكبيل الفلسطينيين والعرب بمواثيق وعهود تنص على عدم المطالبة بالمزيد. إسرائيل تعي جيدا أن الاحتفاظ بالأراضي العربية التي احتلتها في حرب 67م بما فيها هضبة الجولان والقدس ليس من مصلحتها سواء كان على المدى المتوسط أو البعيد هذه حقيقة يجب أن يعرفها الجميع وذلك لأسباب عديدة : أولها أنها لن تعيش بأمان مع دول تحاصرها من كل جانب ترى أنها دولة محتلة عدوانية مغتصبة. الأمر الثاني أن حلفاء إسرائيل لا يستطيعون على المدى الطويل دعمها ماديا وعسكريا أو حتى سياسيا وذلك لانهيار اقتصاديات دول كبرى كأمريكا والكساد الاقتصادي الذي يخيم على معظم دول العالم بشكل عام والدول الأوروبية الداعمة لإسرائيل بشكل خاص. فاليونان ، على سبيل المثال ، تعاني من أزمة اقتصادية خانقة جدا قدرت المبالغ التي تحتاجها إلى (300 مليار دولار أمريكي) والاتحاد الأوروبي يرفض مساعدتها كعضوة في الاتحاد الأوروبي ممثلة بألمانيا وهذا قد يؤدي إلى انفراط عقد الاتحاد الأوروبي القائم في الأساس على الاقتصاد وليس السياسة. فمن المعروف أن الاتحاد الأوروبي بدأ في البداية بسوق أوروبية مشتركة أي اقتصاد. إضافة إلى أن دولا فقيرة في أوروبا الشرقية غير قادرة إلى الآن على تحسين اقتصادياتها بعد أن خلعت عنها عباءة الشيوعية التي لم تجلب لتلك الدول إلا البلاء والنكبات والتخلف ، إلى جانب توسع الاتحاد الأوروبي لضم جمهوريات مستقلة من الاتحاد السوفيتي المنهار . الأمر الثالث أن وعي الشعوب العربية ، وارتفاع معدلات التعليم اخرج مفكرين ومنظرين ومثقفين عرب قاموا بفضح وتعرية هذا الكيان المغتصب ساعدهم في ذلك التقنية الحديثة في نشره في جميع أصقاع العالم العربي بشكل خاص والعالم بشكل عام. وهذا يعتبر عاملا مهما ومؤثرا . الأمر الرابع أن الأنظمة العربية بشكل عام أدركت أن استمراريتها وبقاءها مرهون باعتمادها على شعوبها فقط لا غير تستمد قوتها منها وتستمد الشعوب قوتهم من تلك الأنظمة وهذه حقيقة. فهناك إدراك ووعي من قبل الأنظمة العربية «بأن ما حك جلدك مثل ظفرك» عندما تراقب وتشاهد على ارض الواقع أن الغرب يفرض الاستعمار بطرق أخرى غير الاحتلال وذلك عن طريق لوي الذراع والتهديد بإزالة الأنظمة والإتيان بغيرها والعراق والصومال وأفغانستان وغيرها شاخصة أمامنا ولا تحتاج إلى تفسير أو تعليق. الأمر الخامس أن الغرب وإسرائيل بدأوا يدركون ذلك اعني تعاظم شأن الشعوب العربية ، وهذا مصدر خطر وتهديد للغرب وللكيان الإسرائيلي ، فالأنظمة قد يكون بالإمكان احتواؤها أما الشعوب فمن الصعب احتواؤها وبالتالي فإن ذلك التعاظم سوف يقود إلى تكوين تكتل شعبي عربي من المحيط إلى الخليج ، بعبارة أخرى أكثر وضوحا ودقة بروز دولة عظمى عربية تملك العقول والثروات الطبيعية والنفط والغاز والأيدي العاملة المدربة. الأمر السادس أن إسرائيل لا يمكن أن تعيش في حالة لا سلم ولا حرب وكأنها جزيرة منعزلة في الكاريبي أو دويلة في مجاهل أفريقيا ، وهذا مكلف لها عسكريا واقتصاديا لا تستطيع الاستمرار في تمويل جاهزيتها العسكرية ولا تستطيع دول الغرب بما فيها أمريكا الاستمرار بدعمها اللامحدود سواء للميزانية أو للتجهيزات العسكرية والأسلحة أو غيرها في ظل التضخم الذي تعاني منه والكساد الاقتصادي الذي يخيم على الجميع. نخلص إلى القول أن توقف أو تباطؤ عملية السلام أو التسويف والمماطلة في استحقاقات السلام من قبل الإسرائيليين للفلسطينيين يصب في مصلحة الفلسطينيين وليس الإسرائيليين لأنه على المدى البعيد نحن العرب نزداد قوة ونفوذا وإسرائيل تزداد عزلة وتقوقعا سوف تدفع بالمهاجرين اليهود إلى فلسطين بالرجوع إلى بلدانهم الذين أتوا منها لأن الأمن والاستقرار لا يتحققان باغتصاب الأراضي وسلب حقوق الآخرين وفرض الأمر الواقع لأننا تعلمنا دائما انه في النهاية لا يصح إلا الصحيح.