إنّ الأب الذي تقتصر أبوته مع أبنائه على تربية أجسادهم وإشباع جيوبهم يجلدهم ، إنّ الأم التي تختصر أمومتها مع أبنائها في إسناد مهامها لسائق وخادمة تجلدهم ، إنّ أستاذ الجامعة الذي يعتز بحصانته العلمية ويرفض مراجعة نفسه أمام اعتراض جميع الطلاب على تدني مستواهم يجلدهم ، إنّ الموظف الذي يبدأ ممارسة عمله بعد مواعيد المراجعين بساعة أو أكثر يجلدهم ، إنّ الموظف الذي لا يجد صاحب المعاملات عنده ردا دونما سبب يجلدهم ، إنّ المعلّم الذي يتعامل مع تلاميذه بأي نوع من أنواع العنف : لفظي أو نفسي أو جسدي يجلدهم ، إنّ الطبيب الذي يقصّر في حق المرضى بعدم احترام مواعيدهم أو عشوائية فحصهم أو حسن تعامل مع حالتهم يجلدهم ،إنّ التاجر الذي يبالغ في أسعار السلع حتى تستعصي على محتاجيها يجلدهم ، إنّ صاحب العمل الذي غيّب الرحمة عن تعاملاته وأخّر مستحقات عماله يجلدهم ، كثيرون هم الجلاّدون في مجتمعنا ، ويوما بعد يوم يزداد عددهم وتتوسع سلطاتهم وتتنوع صلاحياتهم ، يجلدون بسياط قسوتهم وظلمهم القلوب والنفوس ، ويساهمون في إلقاء ظلال العتامة والتشاؤم على المستقبل ، هذا هو دورهم ، وإن كان للمجتمع دور فإنشاء محكمة عادلة تنتصف من كلّ جلاّد ، وجلاّد آخر قرن جلد الجسد بجلد الروح مهنته مراقب تأهيل شامل ، صفته من المفترض درجة عالية من الرحمة والتسامح ، فعلته : اعتداء على مشلول ، حالة الاعتداء : داخل دورة مياه ، أثناء الاستحمام ، المشلول عاري الجسد ، قليل الحيلة ، نفس منكسرة ، قلب متألّم ، جراح نازفة ، لا المشلول خصم للمراقب ولا المراقب خصم للمشلول ، سبب الاعتداء غير واضح فأي ردع وأي تأديب هذا الذي لا يشبه غير تعذيب معولم انتقلت أساليبه عبر العصور من أعتى السجون وأقساها وأبعدها عن الرأفة والشفقة التي تتناسب مع إنسانية البشر؟ هنا أيضا نحتاج إلى محكمة يترافع فيها المجتمع بأسره بأطيافه المختلفة وثقافاته المتفاوتة دفاعا عن هذا الحق بصرف النظر عن التصنيف : حق عام وحق خاص . ألم يتدفق في أعماقي ... وحزن يغمرني على اختراع اسمه الغلظة والشدة ... حذّر منهما تبارك وتعالى ( ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك ).