مِن الجَميل في الجَامعات البريطانيّة؛ أنَّها تَمنح للإنسان مساحة كَبيرة، للتَّعبير عَن ظنونه ومَكنونه، وثَقافته وحَصافته، ومُعتقده ومَبدئه، وأوهَامه وهمومه.. وهذا «حُسن ظَن» مِن تلك الجَامعات يَستوجب الثَّناء والتَّقدير..! لقد تَلقّيتُ دَعوة كَبيرة مِن الأخت الصُّغرى «نورة»، مَسؤولة «الفَقرة العربيّة»، التي كَانت مُقرَّرة ضمن بَرنامج «الليلة الدَّوليّة»، في جَامعة «هَلّ» التي تَستوعب عَدداً كَبيراً؛ مِن المُبتعثين السّعوديين..! ومَدينة «هَلّ» تَقع في أحضَان الرِّيف الإنجليزي «الأخّاذ»، ومَن يَقرأ رواية الرِّوائي «الطيّب صَالح» -»موسم الهجرة إلى الشَّمال»- سيَجد أنَّ بَطل الرّواية مَعه فَتاة جميلة، «التقطها» مِن ضَواحي «هَلّ»، وهذا يُعطي إشارة كَافية لما تَتمتَّع به هذه المَنطقة، مِن جَمال أنثوي، وبَهاء مَعنوي، لا يَشعر به إلَّا مَن رَآها رُؤيا العين..! حَسناً، كانت ليلة ليلاء، ليلة تَستعرض فيها كُلّ أمَّة -مِن الأمم «الحيّة»- زينتها، وكم تَفاعل الجمهور مع الأُمَّة «النّيجيريّة» و»الصّينيّة» و»المَاليزيّة».. إلخ هذه الأُمم التي تَجاوزت العَشر.. ولكن مَاذا عن ليلة العَرب..؟! الذين لا يَعرفون إلَّا مُصاحبة الخيبات، ومُعاقرة النَّكبات، عَبر تَاريخهم الذي دوّنته الصَّفحات والمُجلَّدات..؟! مَاذا عَن هذه الليلة..؟! حقًّا.. لقد خَاب ظَنِّي في هذه الليلة العربيّة، فقد كُنت أتوقَّع الفَشل –كالعَادة- في المَحافل الدَّوليّة، ولكن –يَا فَرحة ما تَمّت- فقد كَان صِغار العَرب «أكبر وأجمل، وأكثر طموحاً مِن كِبارهم».. ففي تلك الليلة حَضر كُلّ شيء، «الجَمال والرَّوعة والطَّرب»، وأهم مِن ذلك «الرِّسالة الهَادئة» التي تَدعو للسَّلام، حقًّا.. لقد كَانت الأخت «نورة» -تلك الفتاة السّعوديّة- تُلقي شِعراً إنجليزيًّا جَميلاً، يحثُّ على السَّلام والأمَان، دَاعية أن تَعُمّ السَّكينة أرجَاء الأرض، ليَتعايش الكُلّ بمَحبَّة، بغض النَّظر عَن الألوان والأديان والأوطَان.. وقد صَفَّق الجمهور كَثيراً لهذه «الرِّسالة العربيّة»، التي يَبعثها «الجيل الجديد» مِن فتيان وفتيات العَرب، بَعد ذَلك جَاء الأخ «أنس» «الينبعاوي»، وأَسمع الجمهور «مَجسًّا حجازيًّا»، طرب له الصِّغار قبل الكِبار، الأمر الذي جَعل الطّفلة «آرام» تَتمايل برَأسها حَنيناً لعروبتها ووَطنها، الذي ابتعدت عنه لسنوات..! حقًّا.. لقد تَفاعل الجمهور مَع كُلّ لَقطة، خَاصَّة عندما فٌتح المَسرح عَلى مَشهد؛ يُصوِّر «عَرباً في مَقهى»، وأمامهم «قَوائم المعسِّل»، وكأنَّها لوحَات طُرق، وكَم كُنت أُفضِّل ألَّا تُكرَّس صورة العَربي مَع «المعسِّل»، وكأنَّه أبرز مَا يُميِّزنا، بَعد ذَلك حَلَّت «الدَّبكة الشَّاميّة»، وأخذ الجمهور يَتناغم مَع خَطواتها، وقد لاحظتُ مَن بجواري -مِن المُشاهدين والمُشاهدات- يَتمنون أن يَكونوا مِن «الدَّابكين»، في تلك الليلة اختلط «الرَّقص الخليجي» -عَبر أغنية «وظيفة»- و»المَغرب العَربي» -عبر أغنية «عايشة» للشاب خالد-، كُلّ ذلك في فَضاء عَربي جَميل، كما هو وصف الصَّديق العروبي «يوسف العجاجي»..! حقًّا.. لقد كَانت ليلة تَعانق فيها الثّوب الإماراتي؛ مَع العَلم الفلسطيني -عبر الأخت «شادن»- إلى جوار «سَراويل الدّبكة»، حين تُراقص الجلابيّة البَدويّة والزِّي المَصري -عَبر الأخت «شيماء»- في وَضع ملّون، جَعل الجمهور يَحتار مَاذا يُشاهد ومَاذا يَترك..؟! إذ كُلّ المَشاهد تَسترعى الانتبَاه، وتَطرد الاستبلاه..! في تلك الليلة يَصعب عَليَّ أن أسرد كُلّ مَا حَدَث، وأُشيد بكُلِّ مَن شَارك واحتَفَل، ولكنَّها خَاطرة حَزَّت في نَفسي أن أقولها؛ مَدحاً في العروبة، التي طَالما عيّرني الآخرون بأنَّني أنتقص كُلّ مَا هو عَربي..! حسناً.. ماذا بقي..؟! بقي القول: إنَّ هَؤلاء الصِّغار، قَدَّموا عَرضاً جَميلاً رَائعاً، وهم لَم يَتلقّوا دَعماً مِن أحد، بل هو إحساس عروبي، نَبع مِن وجدانهم، فتَرجموه عَلى لوحة تَقول -حتَّى في إنجلترا-: «الأرض بتتكلّم عَربي».. إنَّهم فتيان وفَتيات آمنوا بعروبتهم، فربطت جَامعتهم الإنجليزيّة عَلى مَواهبهم، وزَادتهم تَشجيعاً ودَعما، حتَّى يَكونوا لها بَعد التَّخرُّج مِن الذَّاكرين..!