قبل حوالى أسبوعين من تلقي نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الإهانة المشهورة من الإسرائيليين (الأصدقاء الذين يحبهم كثيراْ)، وقيام إدارة أوباما بشن حملة دبلوماسية وإعلامية ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كانت السفارة الإسرائيلية في أسبانيا تعلن عن سخطها على الأسبان وحكومتهم لأن أطفالاْ تتراوح أعمارهم بين الثامنة والتاسعة من العمر أرسلوا إلى السفارة بطاقات بريديه كتبوها ورسموها بأنفسهم تقول للإسرائيليين: “لماذا تقتلون الأطفال؟” .. وقال المتحدث باسم السفارة في مدريد إن الحكومة الأسبانية تسمح “باستخدام المدارس الحكومية للترويج للكراهية ضد كل من اليهود وإسرائيل، وذلك في بلد يصنف على أنه واحد من أكثر البلدان معاداة للسامية”. والسؤال الموجه للإسرائيليين لازال قائماْ وهو لماذا تقتلون الأطفال؟ ولماذا تسرقون أراضي الغير؟ ولماذا تهدمون منازل الفلسطينيين؟ ولماذا تطبقون السياسات العنصرية تجاه الفلسطينيين المماثلة لما كان يطبقه البيض تجاه السود في جنوب أفريقيا؟ ولماذا تصرون على تجاهل كل القرارات الدولية وتمضون قدماْ في (تصفية) الفلسطينيين من بيوتهم وأراضيهم ؟.. والجواب سيكون، إذا كان من يرد عليك صادقاْ، هو: لأن أميركا تدعمنا مادياْ ومعنوياْ.. ولأن العرب، بما فيهم الفلسطينيون، لا يشكلون أي خطر علينا. إلا أنه يبدو أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أظهر أخيراْ وجهاْ آخر تجاه الإسرائيليين.. فإذا كان العاملون في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي (يتندرون) على أوباما علناً، فإن ذلك كان محتملاْ وإذا كان الإسرائيليون يتجاهلون كل نداءات ومطالبات إدارة أوباما لهم العلنية والدبلوماسية بوقف الإستيطان، بل ويسخرون منها، فإن ذلك لم يحرك غضب الإدارة الأمريكية.. إلا أنه عندما تكتل الموالون لإسرائيل داخل الكونجرس الأميركي في مواجهة برنامج أوباما لإصلاح نظام الرعاية الصحية وأخذوا يسعون إلى تتويج جهوده بالفشل، أكتشف البيت الأبيض أن احتماله للسخرية الإسرائيلية لن يؤدي إلى دعم اللوبي اليهودي والإسرائيلي أو حتى الوقوف على الحياد أمام برنامجه.. ولذا كان من المنطقي أن تتفجر إدارة أوباما غضباْ بشكل علني إحتجاجاْ على ما وصفته بالإهانة التي تلقاها نائب الرئيس الأميركي عبر الإعلان عن مشاريع الأستيطان الجديدة في القدس خلال وجوده في مهمة لمحاولة إعادة الحياة إلى عملية السلام الواقعة في العناية المركزة وغير المأمول حتى الآن نجاتها. مما يدل على أن إدارة أوباما نفضت يدها أخيراْ من مغازلة اللوبي اليهودي في أميركا سعياْ لكسبه لبرامجها. وهناك حديث متزايد في أميركا عن أنه حان الوقت لأن يتخلى الأميركيون عن الدعم غير المشروط للكيان الإسرائيلي.. يواجهه حديث من متطرفين يهود ومحافظين جدد على إن إدارة أوباما تتحمل المسئولية فيما جرى لعدم بداية المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لأن أوباما رفع سقف المطلوب من إسرائيل بمطالبته بوقف كامل للأستيطان قبل بدء المفاوضات مما أحرج، حسب تعبير هؤلاء، السلطة الفلسطينية وجعلها لا تقبل بأقل مما طلب به أوباما.. وأن أدارة أوباما تخطئ مرة أخرى بإعلان غضبها من إسرائيل على إعلان بناء المستوطنات في القدس، لأنها ترسل رسالة إلى الفلسطينيين بأن لا يقبلوا بأقل ما تطالب به الإداره الأمريكية.. وفي كل الأحوال فأن المشكلة ليست في بناء المستوطنات أو عدمها.. فكل الأرض الفلسطينية محتلة، والشعب الفلسطيني يعيش في ظل أداة قمع إسرائيلية قوية، ولا يوجد حديث جاد عن السلام داخل إسرائيل.. بل لم تتقدم أي حكومة إسرائيلية حتى اليوم بخريطة تبين حدود دولة إسرائيلية. وكل المقترحات التي قيل أن شارون أو غيره قدمها لم تكن بصورة رسمية، وبالتالي فإنها أعتبرت ملهاة يمارسها الإسرائيليون.. ولو كان هناك حديث جاد عن السلام فلماذا لا يتم ذلك مع السوريين الذين يحتل الإسرائيليون أراضيهم ؟.. ولماذا لا يحدد الإسرائيليون أين تتوقف أطماعهم في الأراضي العربية بشكل واضح، حتى يمكن الحديث عن حدود مقبولة أو مرفوضة ويصبح هناك أساس واضح لمحادثات مثمرة. المؤكد أن إسرائيل لم تقرر بعد أنها مستعدة للسلام.. وأن أميركا شعرت أخيراْ بأن العبء الإسرائيلي أكبر مما يمكن تحمله.. وإذا كان الأمر كما يبدو عليه فإن الدور الفلسطيني والعربي يصبح عليه الآن تعظيم مخاطر الإحتلال والإبقاء على الوضع الفلسطيني وإحتلال الجولان، كما هو عليه، ليس بالنسبة لإسرائيل فحسب، بل بالنسبة للراعي الأمريكي لها أيضاْ.. ومثل هذا الأمر سيشكل دعماْ لأوباما لا ضغطاْ سلبياْ عليه، لأنه من المفترض أن يوضح المصالح الحقيقيه لأمريكا بعيداْ عن العبء الإسرائيلي وما يمكن أن تحققه.. وإحلال السلام لن يكون نهاية بل بداية لشرق أوسط جديد. والسؤال هو كيف يمكن عمل ذلك بشكل يلمسه الجميع في إسرائيل والكونجرس الأميركي والإدارة الامريكية، بدون إرتكاب حماقات أو رفع شعارات قد تؤجج مشاعر العرب، ولكنها لن تكون ذات تأثير خارج العالم العربي..، الأمر يتطلب حكمة وحنكة نأمل أن يتمكن العرب من الفوز بهما للوصول إلى هدف مهم.. فشأن العرب يتضاءل يوماْ بعد يوم، وشعاراْ بعد شعار، وتنغلق الشعوب العربية على نفسها داخل أوطانها وتتضاءل القضايا القومية يوماْ بعد يوم، بعد أن ضاعت فرص عديدة للإنتصار، بشكل ما، لأي من هذه القضايا، وبخاصة قضية فلسطين والفلسطينيين.