فإذا أثبتنا أن حق المرأة هو ما أثبته لها الدليل، وأن واجبنا تكييف الواقع ليكون مع الدليل لا لي عنق الدليل ليدرك الواقع: ثبت لنا أن مطالبنا للمرأة أولى بمصطلح الحق من مطالبات خصومنا لها , واستطعنا أن نعكس الدفة باتجاهنا لنقول مثلا: حق المرأة في القرار في البيت، بدلا من حق المرأة في العمل، وحق المرأة في المحرم، بدلا من حق المرأة في السفر وحدها، وحق المرأة في الولاية، بدلا من حق المرأة في التحرر. وسنكون أسعد بالمرأة في حسم المعركة لصالحنا حين نبدأ بمطالبة بعضنا قبل غيرنا بما فرطنا نحن في كثير منه مما كفله الشرع للمسلمين رجالا ونساء من حقوق نجد المرأة أقل حظوة بها من الرجل عندنا أعني: من نتبنى الشريعة غاية ومسلكا، وقد أدى انشغالتا عن تصحيح مسارنا فيها لا إلى التباطؤ في إعطائها وحسب بل إلى وقوعنا في خطأ أعظم وهو تسويغ هذا التباطؤ بل وشرعنته أيضا، وذلك حين نُصدم بأن من نعدهم خصوما لنا في هذه المعركة يسبقوننا إلى تنبني هذه المطالب الشرعية لها، وبدلا من أن نأخذ الراية منهم ونقول نحن أولى بها نجد أن منا من يقف ضدها إما بحجة سوء ظنه بهؤلاء المطالبين وأن مطالبتهم هذه حق أريد به باطل، وإما لكونه قد ألف هذا الأمر ويظن كل ما ألفه مشروعا. ومن أمثلة ذلك نفقة المرأة: أليست على وليها؟ فلماذا تحتاج كثير من النساء لأن يذهبن إلى المحاكم للمطالبة بهذا الحق؟ لماذا لا يصل إليهن دون مطالبة، ألم تكن المطالبة أمام المحاكم عائقا لهن دون بلوغ حقهن؟ لماذا لا نبادر نحن بالمطالبة باستحداث نظام تحصل المرأة بموجبه على حقها من نفقة وليها دون أن نلجئها لتركه بسيف الحياء أو بتكاليف القضاء المادية والمعنوية؟. والعجيب هنا أن بعض القضاة وفقهم الله من مزيد الحرص على العفاف وإشاعة القيم يلزمون المرأة بإحضار محرم لها في الجلسة مع أن المحرم قد يكون هو المدعى عليه، ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكلف النساء بالمحرم حين مطالبتهن بحقوقهن في مجالسه وليس إحضار المحرم شرطا في النظام. وكذلك الأمر في حضانة المرأة المطلقة لأطفالها وحقها في طلب الخلع، وغير ذلك من القضايا التي نسمع فيها وهذا مما يؤسف له أصوات من نسميهم بالليبراليين والعلمانيين، وبدلا من أن نقول لهم صدقتم في هذه ونحن أهلها ونرفع أصواتنا لتعلوا بالحق على أصواتهم، نجد العكس من الكثيرين حيث يقفون في الجانب غير الصائب لا لشئ إلا لأن المطالبة جاءت من غير أصحاب التوجه الديني. ومما يجعلنا أيضا سعداء بالمرأة أن لا نسعى إليها بالتنازل عن مواقفنا التي بنيناها على الدليل الصحيح من أجل ضغط الواقع وضغط مصطلح الحق، وجعلنا لتسويغ هذا التنازل ما ليس بدليل دليلا، فنحن لا نفتأ نسمع من المتنازلين كلاما في معرض الاستدلال لمواقفهم كتقديم أنفسنا للغرب وعدم التنفير من الإسلام واتخاذ الموقف الوسط ومراعاة العصر والسير بهن قبل أن ينفلتن ويسرن دوننا، إلى غير ذلك من الكلمات التي نقرأها في بعضٍ فتاوى من نسمع لهم ونقدر سابقتهم في الدعوة والجهاد، لكنهم مع ذلك أخذوا يعدلون مثل هذا الكلام بالدليل حينا ويقدمونه على الدليل الصحيح أحيانا أخرى. وليس هذا التنازل في تقديري مما يجذب المرأة إلينا كما توهموا لأن المرأة التي تنصاع لأوامر الشرع لا تفعل ذلك لموافقته هواها بل لكونها تعتقد حقا أن هذا هو حكم الله تعالى في المسألة، ومن كانت منهن لا تلتزم بأوامر الشرع إلا إذا صممت أحكامه مع ما يتوافق وتصوراتها أو أهوائها فهذه ثغرة في صفوفنا وليست مكسبا لنا أو سندا، لأنها -وهذا ما يحدث فعلا- سوف تظل دائما تزعجنا بالمطالبة بمجارات ذوقها في تصميم الأحكام كما تصمم التحف والمقتنيات، فالمنهج الحق إن شاء الله تعالى في اتباع الدليل في جميع قضايا المرأة لأن الدليل هو المسلك إلى معرفة حكم الله تعالى في المسألة، أما ما ليس بدليل فلا يجوز اتخاذه دليلا مهما قدرنا المنفعة في اتخاذه كما لا يصح فهم الدليل على غير وفق ما فهمه عليه سلفنا الصالح وهذه قضية أخرى من قضايانا مع الأهوائيين والمتنازلين. هذا والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم الدين.