شاءت قدرة الله -عزّ وجل- أن يجعلنا أجناسا وأشكالا، ومراتب ودرجات، وهذه سنته حتى في أنبيائه ومرسليه (وتلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) ونتفاوت كبشر في فهم الأفضلية وتعاطيها والتعامل معها، البعض يفهمها منحة إلهية، يؤدي حقها، ويحسن شكر فضلها بأن يزداد إيمانه بإنسانية الإنسان عبر الأزمنة المختلفة، والأماكن المتفاوتة، لا تفرقة عنده بين عشيرته الأقربين وإخوانه في الدين، فكم من سرور يدخله على البسطاء، وكم من حاجة يقضيها للغرباء، وكم من يد له ممتدة بالخير والعطاء، من منصبه استمد تواضعا، ومن سلطته فجر ينابيع القدرة على الإبداع والإنتاج والمساواة، ومن تعبه وعنائه اوجد تقاليد العلاقات السوية بين الرئيس والمرؤوس، ومنطق السلوك الواعي الذي يوائم بين السلوك الذاتي والمبادئ التي نؤمن بها ونعمل من أجلها، وهؤلاء ينطبق عليهم قول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم «الخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله«. والبعض يسقط فريسة لغروره وكبريائه، وينخدع بزيف واقعه وحاله، ويسيء فهم سلطته ونفوذه، دائرة نفعه مفرغة لخدمة مصالحه، ونفع أهله وذويه، وحين تتسع لا تسمح بدخول غير من يرتجي نفعه في الغد أو بعد الغد، مصاب بهيستريا الأنا، ووباء الغفلة، لم يتلقن فيما تلقنه أبجدية الوعي بأنّ العلم والمدنية أوجدهما الله لخدمة الإنسان، ففشل في تركيب كلماتها وصياغة جملها، وهؤلاء يقودون حروبا جشعة أنانية، تستهدف أعماق الإنسان فتدمّر حقوقه، وتعمل على مضاعفة جراحه وآلامه. إيماننا باستمرارية حاجة الإنسان لأخيه الإنسان في الجوانب المادية والمعنوية مكتسب حضاري، وثقافة ثابتة، وفي الحديث الشريف «دع الناس يرزق بعضهم بعضا« والتذكير بأن الإنسان باق على إنسانيته ليست صرعة جديدة، ولا ثورة على مألوف ثبت واستقر، إنّها فطرة الله السوية، وطريقه المستقيم.