لازمت الأحداث الدرامية المتفاوة في مستوى إثارتها للدهشة كل أيام الملتقى الثاني لقصيدة النثر الذي نظمته نقابة الصحفيين المصريين مؤخرًا، فبمثلما “صعق” الجمهور بكلمة “فتحي عبدالله” في فاتحة أعمال الملتقى، وهجومه “الكاسح” على اتحاد لكُتّاب المصريين، وتوزّع الملتقى بينهما، والاتهامات المتبادلة بينها، جاءة الجلسة الختامية كذلك بكل فنون الإثارة حاملة في طياتها مفاجأة وتقليدًا جديدًا في الثقافة العربية بإعلان اللجنة التحضيرية للملتقى حلّ نفسها دون تحديد مستقبل الملتقى، وما إذا كان سينعقد العام المقبل أم لا؛ ليزيد مستقبل الملتقى غموضًا ويلقي الكرة في ملعب نقابة الصحفيين المصريين (مستضيفة الملتقى) لتحدد رغبتها في الاستمرار في وجود الملتقى بمنظمين جدد بين جنباتها. تقليد جديد وفي خضم هذه الأحداث جرت الفعاليات والتي شارك فيها العديد من الشعراء العرب من أقطاره المختلفة؛ من بينهم الشاعرالسعودي محمد حبيبي الذي أشاد بفعاليات الملتقى في سياق قوله: لقد كان الملتقى تجمعًا إيجابيًّا لعدد من الشعراء الشباب مما أتاح فرصة لتبادل التجارب . فيما ألقى الشاعر فارس خضر عضو اللجنة التحضيرية اللوم على بعض الأعضاء الذين لم يشاركوا في اجتماعات تجهيز الملتقى أو شاركوا فيها شرفيًّا، مما زاد العبء على بقية الأعضاء خلال فترة التحضير، وقال خضر خلال البيان الختامى للملتقى: “قررت اللجنة التحضيرية حل نفسها عقب انتهاء فعاليات الملتقى على أن يظل هذا الإجراء تقليدًا لصيقًا بكافة دورات الملتقى في الأعوام القادمة، بهدف ضخ دماء جديدة للجنة..” مضيفًا: علينا الاعتراف بأن بعض أعضاء اللجنة لم يحضروا اجتماعًا واحدا طيلة عام من الصراعات والإعداد، فالضغوط التى واجهت اللجنة التحضيرية للدورة الثانية أجبرتها على استيعاب الكثير من التناقضات مما وسّع من عدد المشاركات المصرية، وهو ما قد يهدد بضعف الملتقى في الدورات القادمة، ولما كانت هذه الحالة الاستيعابية قد اسفرت عن تسليط الضوء على قصيدة النثر، ننتظر أن يركز في دوراته المقبلة على أن يبقى حدثا أكثر نوعية..” تفجّر الصراع وحاول الملتقى خلال فعالياته تجنب فكرة الصراع السياسي حول القصيدة والسجالات المثارة مع اتحاد كتاب مصر، ولكن كلمة الشاعر فتحي عبدالله في افتتاح الملتقى أعادت الصراع إلي مائدة الحوار ببيان أشبه بالبيانات السياسية أكثر منه كلمة تلقى في افتتاح مؤتمر شعري، ورفض أعضاء اللجنة التحضيرية للملتقى التعليق عن الكلمة ووصفها فارس خضر أنها لا تمثل إلا فتحي عبدالله نفسه وليست بيانًا افتتاحيًّا للملتقى، ويبرز ذلك في ثنايا قوله: إن الكلمات التى أُلقيت في الافتتاح لا تمثل سوى من ألقاها وليس رأى الملتقى كله، فلنا تحفظات على كلمة الشاعر فتحي عبدالله؛ ولكن لن ننتقدها حتى لا نظهر وكأننا منفصلين في الرأي”. كذلك وصفت الشاعرة لينا الطيبي الكلمة بأنها “ديكتاتورية”، ماضية إلى تبرير وصفها بقولها: لأن عبدالله لم يعرضها على باقي الأعضاء وكتبها دون التشاور مع الآخرين مما وضعهم أمام مأزق التبرير، خاصة أن حفل افتتاح الملتقى حضره ثلاثة من النقاد المشاركين في مؤتمر اتحاد الكتاب هم الدكتور هيثم الحاج علي، وشوكت المصري، وعمر شهريار؛ الذي قال إنه حضر بدافع الصداقة التى تربطه بعدد من أعضاء اللجنة التحضيرية والشعراء المشاركين ولكنه لم يتوقع هذا الهجوم من الشاعر فتحي عبدالله. بيان هجومي وكان فتحي عبدالله قد هاجم خلال كلمته اتحاد الكتاب ووصفه بأحد جماعات الصراع التي تستهدف الملتقى الذي يمثّل فعلاً إيجابيًّا في لحظات التراجع الكبري في مصر – على حد قوله – مضيفًا: إن جماعات الصراع التى تستهدف الملتقى كثيرة ولا يعني هذا أن الملتقى يمثّل قوة مضادة وإنما هو فعل إيجابي في لحظات تراجع وتحوّل الرموز الأولى إلى أدوات للقمع والتعذيب في أشكال تبدو ديموقراطية، ومن هذه الجماعات، الموسسة التى تقوم بفعل تكوينها على خلق التوازن بين التيارات المتصارعة، حتى تبدو هي الفاعل الأوحد إلا أنها فقدت دورها واستطاعت من خلال الاحتفاليات الكرنفالية أن تدمر المعني فلا يبقى الشعر ولا الشعراء. ماضيًا إلى القول: جماعات اليمين بشقيه الديني والمدني الذي يري أن جميع الأنماط الجديدة لا تنتمي لميراثنا الثقافي وهي نوعًا من التخريب المتعمد لأشكالنا الخاصة عبر العصور. وحدد عبدالله جماعات اليمين باتحاد الكتاب ووصف الاتحاد بأنه اتخذ إطارًا ليبراليًّا ليتقاطع مع توجهات الإدارة السياسية يقوم بتنفيذها من خلال المؤسسة ذات الطابع الشعبي. ويواصل فتحي هجومه على ملتقى قصيدة النثر العربية في اتحاد الكتاب قائلاً: من جماعات الصراع التى نواجهها شعراء لم يتحققوا بأي شكل في كل الأجيال، فأصبحوا يمثلون إحدى جماعات الصراع مع الملتقى لأنهم لعبوا أدوارًا ثانوية دائما ترتبط بالشعر وقد وجدوا هذا الشكل الشعبي والديموقراطي للملتقى فرصة لتحقيق وجودهم إلا أن الملتقي باعتباره بؤرة صراع حقيقي قد زادهم تراجعًا بما يتناسب مع مقدرتهم الخاصة. إندهاش عربي وقد أثارت كلمة فتحي اندهاش الشعراء العرب، حيث وصفها الشاعر الاردني عمر أبو الهيجا بأنها “تصلح لبيان سياسي لأنها تبتعد عن التناول الشعري المفترض أنه الأكثر حضورًا في ملتقى يتحدث عن قصيدة النثر”، مشيرًا إلى أن التاكيد على فكرة الصراع يبعد شاعرية القصيدة التى ما زالت تبحث عن وجودها وسط إنكار شعراء التفعيلة، رغم تأكيده على أن أفضل من كتب قصيدة النثر هم أنفسهم من بدءوا بالتفعيلة. وفي جوف هذا الصراع ألقى الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب أستاذ النقد بكلية عين شمس بالمسؤولية على قصيدة النثر في انهيار الشعرية العربية، وقال خلال “ندوة قصيدة النثر وإشكاليات الهوية” التي عقدت مؤخرًا: إن قصيدة لنثر مسؤولة مسؤولية كاملة عن انهيار الشعرية العربية؛ لأن الشعراء الذين هاجروا من قصيدة التفعيلة إلي قصيدة النثر كانوا يمتلكون اللغة والوزن لكنهم أفسحوا الطريق لأجيال لا تمتلك الموهبة أو اللغة وأصبحت مشاعرهم وخواطرهم الساذجة شعرًا”.. إقبال ضعيف ورغم وصف فارس خضر الملتقى بأنه نجح في إصابة الكثير من أهدافه بمواصلة دوره المعرفي والجمالى تجاه قصيدة النثر إلا أن الملتقى عانى من ضعف الإقبال على الندوات والأمسيات الشعرية وهو نفس الأمر الذي كان ينتقده في فعاليات المؤسسة الثقافية، وتكديس الشعراء على المنصة، مما أدى إلى وجود أكثر من 15 شاعر في الأمسية الواحدة، ورغم أهمية المحاور الرئيسية للملتقى إلا أن الندوات عانت من غياب الجمهور وحظيت أكثر الندوات متابعة بحضور لم يتجاوز الخمس عشر فردًا خرج أكثرهم خلال الندوة بسبب ما قدمه المناقشون وكأنها تصلح لرسائل جامعية أكثر منها ندوة يحضرها جمهور عادي غير متخصص، أو شعراء يبحثون عن متنفس لتجاربهم، مما جعل أكثر الشعراء يفضلون الانتظار خارج قاعة الندوات يتبادلون أحاديث جانبية عن حضور الندوة وانتظار الأمسيات التى يلقون فيها أشعارهم. ويبدو أن المستفيد من أحداث الملتقى هو أعضاء اللجنة التحضيرية للملتقى العربي لقصيدة النثر الذي سيعقده إتحاد كتاب مصر، ومنحهم تقديم موعد ملتقي نقابة الصحفيين تدارك الأخطاء التى وقعوا فيها ووقع فيها أيضًا ملتقي نقابة الصحفيين وأغربها تأخر وصول كتيبات الملتقى إلى الأمسية الأخيرة، وأحضرت دار النشر راعية الملتقى ديوان يجمع نصوص شعراء الملتقى قبل إلقاء البيان الختامى للملتقى مما دعا صاحب دار النشر لتوزيعها بنفسه على الحضور وإهداء أكبر كم ممكن للصحفيين الحاضرين وشاعرة شابة فازت بجائزة الملتقى.