قال الدكتور خالد بن عبد الله المزيني الفقيه وأستاذ الفقه بقسم الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الملك فهد للبترول والمعادن إنْ حَصَر الفقيه نفسه على خيار واحد، يكون احتمال الوقوع في الخطأ أكبر ، وغياب العلماء المؤهلين عن فقه التوقع سيمهد الطريق لدخول أنصاف المتعلمين، الذين يقولون ما لا يعلمون، ويفسدون أكثر مما يصلحون، ونحن في أزمنة يختلس فيها العلم من الناس، وفقه التوقع يتطلب من الفقيه أن يسمو بنظره فوق الزمان، ويتحرر من علائق المكان، ويتخلى عن حكم الحاضر، ويشرف على المستقبل، ومن الصعب جداً على العقل البشري أن يعيش في زمانٍ غير زمانه الذي عايش أحداثه، واستوعب ظروفه، وتعاطي مع أدواته. وأضاف أن الفقيه الحي، الذي يتحرى مواقع نظره، ويقرأ وقائع المستقبل، ويتحرى الآثار والنتائج المترتبة على موقفه وحكمه وفتواه، سوف يكون أصوب نظراً، ولو فرض أنه وقع في خطأ اجتهادي، فلن يبعد كثيراً عن الصواب، بخلاف الآخر الذي سيكون احتمال وقوعه في الأخطاء الكارثية كبيراً، وسيكون البديل المحقق في حال غياب فقه التوقع هو الغلو المفرط والجفاء في مشهد تختل فيه موازين الحق ومعايير الصواب. وفي ما يلي نص الحوار مع الدكتور المزيني حول فقه التوقع وأهميته ودور الفقهاء في استشراف قضايا المستقبل، وما هو المطلوب للاهتمام بهذا النوع من الفقه: ما فقه التوقع، وهل نحن بحاجة إليه، أم إنه رجم بالغيب؟ فقه التوقع هو: حسن الاستعداد للنازلة قبل وقوعها، أو الاستعداد لآثارها بعد وقوعها، باستشراف المشاهد التي يمكن أن تؤول إليها في المستقبل، وذلك بواسطة تبصرات ومقاربات عقلية ينجزها عقل الفقيه، المزكى بنور الوحي، المستند إلى شواهد الماضي وقرائن الأحوال الحاضرة، فيعمد عند النظر في الوقائع المستقبلية، أو الوقائع الحالية التي تترتب عليها آثار مستقبلية، إلى توقع الصورة التي ستؤول إليها الواقعة، ثم يرصد جملة المصالح والمفاسد المترتبة على تلك الصورة، ثم ينزل الأحكام المناسبة لها. وبالجملة فإن فقه التوقع عبارة عن عملية حدس متقدمة، مبنية على معطيات موضوعية، وأقيسة ونظائر معتبرة، بحيث يجتنب المجتهد الوقوع تحت ضغط الظرف الراهن، ويتحاشى التفاؤل المفرط، و التشاؤم البالغ. واستشراف الإنسان لمستقبل أيامه ضروري لقادة الرأي، وساسة الشعوب، وأصحاب المصالح بعامة، وهو طبيعة تنزع إليها النفوس البشرية أبداً، كما يقرره ابن خلدون بقوله: " اعلم أن من خواص النفوس البشرية، التشوف إلى عواقب أمورهم، وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت، وخير وشر، سيّما الحوادث العامة ...، والتطلُّع إلى هذا طبيعةٌ، البشرُ مجبولون عليها "اه. وفي هذا العصر اتسعت علوم التوقع، حتى نشأ أحد العلوم المساندة للعلوم الإدارية والسياسية وهو علم استشراف المستقبل. وبالطبع فليس فقه التوقع من قبيل الرجم بالغيب في شيء، بل هو عمليات عقلية متسلسلة، يبنيها الفقيه على أساس اقتراح نماذج صالحة للمحاكاة، ثم اختبارها وامتحان النتائج الحاصلة منها، ثم تعميم الحكم في أشباهها ونظائرها، مع الاستمرار في مواءمة تلك النتائج مع أدلة الشريعة وأصولها ومقاصدها. فحين استشرى بين الناس شرب الخمر في عهد الفاروق رضي الله عنه، جمع الصحابة واستشارهم فكان مما قاله علي رضي الله عنه: إن المرء إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحد الفرية ثمانون، فأرى أن يجلد ثمانين، كان في هذا مستشرفاً للواقع القادم، صانعاً للمستقبل، بحيث استبق انتشار التقاذف والتظالم بين الناس. كما أن هذا الفن ليس من العلوم المستقلة، التي ينتظر منها أن توصلنا إلى نتائج نهائية، ولا يمكن للباحث أن يضع قواعد بالتنبؤ بالمستقبل، تضمن له تحقق ما تنبأ به، وإنما هي المقاربة، كيف وقد تفرَّد الرب سبحانه بالغيب، قال تعالى: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ". بين التوقع والافتراض ما الفرق بين فقه التوقع وفقه الافتراض؟ الفقه الافتراضي هو ذلك الفقه الذي امتازت به مدرسة أهل الرأي في مقابل مدرسة أهل الحديث في عصور الإسلام الأولى، فقد اشتهر عن أهل الرأي أنهم كانوا يفترضون صوراً لا وجود لها في الواقع، لكن يمكن وقوعها مستقبلاً، لتتنزل أحكامهم على وقائع مفترضة، فيستعدوا لها قبل وقوعها، وليتدرب الطلاب على التعاطي مع تلك الصور، في حين كان أهل الحديث يزجرون عن السؤال عما لم يقع، ولما كان أصحاب الأسئلة الافتراضية يبدؤون مسائلهم بقولهم: أرأيت لو كان كذا وكذا، فقد سماهم أهل الحديث بالأرأييين. وممن عرف بهذا النوع من الفقه الإمام أبو حنيفة رحمه الله، فإن قتادة السدوسي لما دخل الكوفة اجتمع إليه الناس، فقام أبو حنيفة وسأله عن مسألة مشكلة، فقال قتادة: ويحك أوقعت هذه المسألة، قال: لا، قال: فلِمَ تسألني عما لم يقع، قال أبو حنيفة: إنا نستعد للبلاء قبل نزوله، فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد. وقد ذهب بعض أهل الحديث إلى قبول هذا النوع من المسائل بشرط كونه في حيز الإمكان، بحيث لا يكون مستحيل الوقوع، وهذا كان موجوداً في فقه أهل المدينة، وهو ما نجده في المسائل التي أجاب عنها الإمام مالك وبعض تلاميذه في المدونة التي كتبها سحنون عن ابن القاسم عنه، وفيها أكثر من ستة آلاف مسألة. وقد حفظ لنا التاريخ عن الفقهاء عدداً من المسائل التي كانت مستبعدة في عصرهم، ثم وقعت في الأزمنة المتأخرة، وذلك مثل قول الشافعية بأنه يجب على الحاج الوقوف بعرفة على الأرض، وليس لهوائها حكم قرارها في هذه المسألة عندهم، قالوا: فلو طار فوقها، بأن ركب فوق طائر وطار به، أو ركب فوق السحاب ومر فوق عرفة لم يصح وقوفه، قالوا: وكذلك لو سعى أو طاف طائراً لم يصح، وهذا قبل اكتشاف الطائرات والمروحيات التي يمكن أن تمر فوق أجواء المشاعر في هذا العصر. ومثل ذلك - مع بعض الاختلاف - ما ذكره ابن تيمية في رده على غلاة المتصوفة الذين يدَّعون أن الجن تطير بهم من العراق إلى مكة، فكان في رده عليهم - على فرض صحة دعواهم - يقول: إنهم خالفوا الشرع بعدم الإحرام من الميقات حين مرورهم به أثناء الطيران، فكان يلزمهم أن يحرموا قبل تجاوز الميقات، فهذا يشبه مرور المحرم بالطائرة فوق المواقيت. ومن الغرائب التي تشبه اكتشاف التلفاز في هذا العصر، ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: من عجائب الدنيا مرآه كانت معلقة بمنارة الإسكندرية ، فكان الإنسان يجلس تحتها فيرى من بقسطنطينية وبينهما عرض البحر، إلى آخر ذلك من غرائب النظائر. التوقع والافتراض ما هي أوجه الشبه والخلاف بين فقه التوقع وفقه الافتراض؟ الفقه الافتراضي قريب من فقه التوقع، وإن كان الافتراضي يشتغل بافتراض الصور التي لم تقع بعد، في حين أن فقه التوقع يعالج مسائل واقعة، من جهة النظر إلى آثارها ونتائجها المستقبلية. فالبحث في حكمٍ يتعلق بشيء متخيل لا وجود له فيما يراه الناس، مثل سمكة تمشي على اليابسة، هذا فقه افتراضي. أما البحث المتعلق بمنتج تقني وحضاري نزل إلى الأسواق، يمكن أن تكون له آثار إيجابية أو سلبية على حياة الناس، وإمعان النظر في حكمه بناء على استشراف آثاره في الواقع والمتوقع، فهذا فقه التوقع، وهكذا لو فرضنا نشوب حرب ضد المسلمين، تستعمل فيها أسلحة من نوع خاص، كالأسلحة الجرثومية مثلاً، فهذا فقه افتراضي، لكن لو أن الحرب وقعت فعلاً - لا قدر الله – فالبحث فيها وفي مآلاتها يكون من قبيل فقه التوقع، وهذا الأخير هو الذي يسميه العلامة الشاطبي في كتابه "الموافقات": مآلات الأفعال، وهو يأتي في مقابلة: علم الحال، أو علم الحاضر، فهاهنا علمان: علم بالحال وعلم بالمآل، فالعلم بالحال التي عليها المكلف: فرض عين، فعلى كل واحد أن يعرف الأحكام المتلعقة بحاله، أما العلم بالمآل فهو من الفروض الكفائية، التي من شأن المجتهدين النظر فيها. الخيال والتوقع ما هي طرق الاستنباط التي يمكن استخدامها، وهل هناك حدود للخيال والتوقع؟ هناك طرق عديدة يسترشد بها الفقيه على الأحداث والنتائج المستقبلية، وتكون من باب الظن الراجح، وذلك مثل: العمل بقرائن الأحوال، والاستدلال بالأمور الظاهرة على ما خفي، وتتبع السنن الكونية، وعادات الاجتماع البشري، وهذه كلها لها أحكام لا تكاد تنخرم في العادة، لكن الشأن في حسن إدارة المعرفة بها، وقد قرر ابن خلدون في مقدمته كثيراً من القواعد المعينة على توقع الحوادث واستشراف المستقبل، والإشراف على نهوض الدول وانخرامها. كما أن ثمة تقنيات فكرية ومسالك عقلية يستعملها الفقيه في الإلحاقات الفقهية، ورسم الحكم الفقهي المناسب لكل صورة متوقعة في المستقبل. ومن تلك التقنيات العقلية ملاحظة الغالب والنادر، فيلحقون الصور المحتملة بما يقع غالباً، وقد يلحق الحكم بالنادر في صور أخرى، وهي صور استثنيت بالشرع أو بالمصلحة المعقولة، مثال ذلك عقد الصلح مع الدولة الكافرة، مع أن الغالب استمرار الكفار على الكفر، وموتهم عليه بعد الاستمرار، ومع أن دخولهم في الإسلام ليس غالباً في العادة، ومع هذا فقد ألغى الشارع حكم هذا الغالب، وأثبت حكم النادر وهو توقع إسلام بعضهم، فعقد الجزية والصلح والهدنة والمسالمة لذلك التوقع النادر، كما أشار إلى بعض ذلك العلامة القرافي. ومن تلك المسالك والأدلة: الدليل المسمى سد الذرائع، وهو منع التذرع إلى الأعمال المحرمة بالطرق المباحة، بالإضافة إلى فتح الذرائع كذلك، وفتح الذريعة هو أن يكون الفعل المباح أو المشتبه وسيلة لتحقيق الخير للناس، بحيث يفضي إلى مصلحة راجحة، فيكون مطلوباً شرعاً، كما في إباحة النظر إلى المرأة الأجنبية إذا كان قد عزم على خطبتها، فالشريعة عمدت إلى ذرائع المصالح ففتحتها كما قرره الأئمة، وهذا مبناه على التوقع الرشيد، الذي يقيس درجة الإفضاء بطريقة المقاربة، ويأخذ بالمصلحة الراجحة ويتغاضى عن المفسدة المرجوحة، رفقاً بالمكلفين. وبالطبع فإن لهذا التوقع حدوداً لا يتجاوزها، وتجاوز تلك الحدود يفضي إلى نتائج خاطئة، كما لو بنى حكمه على ما يخالف السنن الكونية الجارية، ومن ذلك ما ذهب إليه بعض فقهاء الحنفية من أن الرجل إذا عقد على امرأة، وهو بأقصى المغرب، وهي بأقصى المشرق، ثم جاءت بولد، فإن الولد ينسب إليه، واحتجوا بالحديث الصحيح: " الولد للفراش "، وهذا الفهم والتنزيل خطأ كما قرره المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية، لأن مورد الحديث فيما لو حصل الدخول وكان ممكناً، فأما في الحال المذكورة فلا يمكن أن تعلق الزوجة منه بولد، هذا مخالف للسنة الكونية المعهودة. الاستنباط والتحليل هل هناك شروط معينة يفترض توفرها في الفقهاء المهتمين بهذا الفقه؟ بما أن عملية التوقع مبناها على مقاربة المستقبل بالتحليل والاستنباط، فإن القيام بهذا النوع يستلزم قدراً زائداً على حفظ الفروع الفقهية والمسائل الجزئية، فمن الضروري أن يتوفر الفقيه على ملكة الفهم والتصور الصائب للسنن الكونية، ومعرفة طبائع الاجتماع البشري، والقدرة على التحليل والتركيب، والمقايسة والتمثيل، وامتحان الفروض الممكنة، بحيث يتمكن من قراءة سلسلة الوقائع بطريقة صحيحة، خالية من المبالغة والتبسيط. ولا يكفي لهذا النوع من العلم أن يكون عارفاً بالأقيسة الفقهية المعتادة في المجال الفروعي، فهذه وحدها غير كافية، بل قد ذكر ابن خلدون أن الإيغال في القياسات الفقهية الفرعية قد تحجب نظر الفقيه عن التبصر بالأحداث والوقائع الحالية والمستقبلية، ولهذا السبب يخفق بعض فقهاء الفروع عند دخولهم المعترك السياسي العملي، في حين سجلت نجاحات ممتازة للفقيه المتزود بأدوات النظر الأصولي والفروعي، ومن يقرأ سيرة ابن تيمية رحمه الله ويتأمل نتاجه المعرفي يوقن أنه كان يتسامى فوق بعض الاستدلالات والقواعد الشائعة، ويستأنف في بعض الوقائع نظراً مناسباً لائقاً بتلك الوقائع، ومثله في ذلك العز بن عبد السلام رحمه الله، فإنه حين عزم جيش التتار الرهيب على غزو مصر، قام الشيخ يقوي نفوس الناس والأمراء، وقال لأهل مصر ولسيف الدين قطز: " اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر "، وكذلك حين أقسم الإمام ابن تيمية للأمراء في وقعة شقحب بأنهم منصورون في مناجزتهم للتتار، وكان يتنقل بين العساكر الإسلامية ويتحدث بلغة الواثق الذي لا يتردد ولا يتلعثم، فقالوا له: قل إن شاء الله، فقال: " إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً "، وكانوا في ذلك قارئين جيدين لسنن الاجتماع البشري، مستضيئين فيه بالآيات القرآنية الدالة على سنن الله في كونه وخلقه، من خذلان الظلمة ونصر المظلومين، مثل قوله تعالى: "وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ"، وقوله تعالى: "ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُور". هذه نماذج من فقهاء راسخين، نجحوا في ارتفاق الكون، وارتياد المستقبل بشفوف النظر المزكى بنور الآيات والسنن. طلاب الفقه هل ترى أهمية تدريس فقه التوقع في كليات الشريعة والمعهد العالي للقضاء أم أن يوجه من يواصلون دراستي الماجستير والدكتوراه إلى تناوله؟ -هذا العلم أقرب إلى العلوم المهارية الخادمة للعلوم الأصلية، منه إلى العلوم النظرية، فإن المعلومات النظرية اللازمة له موجود أكثرها ومبثوث في كتب الفقه والعلوم الخادمة له، كعلم الأصول والقواعد الفقهية والمقاصد الشرعية، بالإضافة إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، ولهذا فإن تدريس هذا النوع من الفقه في أقسام الدراسات العليا أمر جيد، بشرط أن نسلك في تقديمها مسلك التدريب والتزويد بالمهارات، أكثر من التلقين المجرد، ومن المناسب أيضاً تصميم محاضرات ودورات تطبيقية يمارس الطالب من خلالها هذا الفن، ويقوم الأستاذ ببناء هذه الملكات والمهارات بواسطة نماذج واقعية يقوم الطلبة بمحاكاتها واختبار نتائجها. ملكة الفقيه ما هو أثر فقه التوقع في إثراء ملكة الفقيه والخروج به من دائرة التقليد؟ -هذا النوع من العلوم يجعل النظر الفقهي أقرب إلى الصواب، وأبعد عن العمل المرتجل، وبالأخص في النوازل المعقدة والمركبة، ذلك أنه يضع بين يدي الفقيه عدداً من الخيارات والبدائل لكي يختار الأصلح منها لتكون حلاً فقهياً للواقعة محل الدراسة، ولا شك أن هذا يثري نظر الفقيه، ويزيد من فرص الوقوع على الحل المناسب، بخلاف ما لو حصر نفسه على خيار واحد، فحينها يكون احتمال الوقوع في الخطأ أكبر. والفقيه الحي، الذي يتحرى مواقع نظره، ويتوكف وقائع المستقبل، ويتحرى الآثار والنتائج المترتبة على موقفه وحكمه وفتواه، سوف يكون أصوب نظراً، ولو فرض أنه وقع في خطأ اجتهادي، فلن يبعد كثيراً عن الصواب، بخلاف الآخر الذي سيكون احتمال وقوعه في الأخطاء الكارثية كبيراً، وسيكون البديل المحقق في حال غياب فقه التوقع: الغلو المفرط والجفاء المفرط في مشهد تختل فيه موازين الحق ومعايير الصواب.