ظاهرة التوقف تتضح لدينا أكثر من الشعوب الأخرى أو لعلي اعتقد ذلك ، وهو نتيجة لبقايا كون بعض تجاربنا لازالت في مرحلة البدايات ،فتنمو على جغرافية حياتنا كأعشاب جديدة يخيل إلينا أنّها متوحشة وسامة مما يجعلنا رافضين للتعامل معها ، علما بأنّها قد تكون نباتات ذات زهور عطرية ، أو بذور نافعة مفيدة ، ومن الظواهر التي يسيطر على صاحبها الشعور بالتوقف « ظاهرة التقاعد « ولا شك بأنّها ستجتاحنا جميعا يوما ما هذا القدر الذي يخشاه الموظفون ويترقبون أجراس ساعاته المزعجة بهزيمة وتشاؤم ، وقد سمعت وقرأت كثيرا عن هموم المتقاعدين على اختلاف مستوياتهم الوظيفية ،هموم يبثونها عن شعورهم بالعزلة عن المجتمع ، وتجاهل خبراتهم ومهاراتهم وطي صفحاتها ، وعن الضغوط المالية التي تواجه البعض بعد تقلّص الدخل ، وأثناء تزاحم هذه الهموم في عقلي نقلتني شاشة التلفاز بالصوت والصورة نقلة إيجابية لصالح كل متقاعد من خلال خبرين متتاليين ، الخبر الأول من مملكتنا الحبيبة ومن خلف ركام سنيها المتناثر على شفتي متقاعد حديث عهد بالتقاعد ، فالكلمات يعتصرها ألم الإهمال والتجاهل ، والحدث يُطحن تحت قسوة خليط من المشاعر البائسة، والخبر الثاني من الصين ، بطلته سيدة تفوق الستين من عمرها ما إن فكر الملل في التسلل لذاتها حتى قاومت هذا الشعور بتأسيس مدرسة لتعليم الرقص ، استقطبت فيها عددا من المتقاعدات ، فتحولت الفكرة إلى مشروع بعوائد نفسية ومادية واجتماعية ، خبر جميل في مضمونه وهدفه ، ومتقاعدونا غير عاجزين عن إبداع مثل هذه الأفكار فيما يتناسب مع مجتمعنا وثقافتنا مما ينعكس على المتقاعد ذاته ، وعلى الشباب والشابات حيث تتيح لهم المشاريع وإن كانت بسيطة فرص عمل واستثمار مخزون فكري وعلمي وجسدي . بعض الأحداث نحتاج في تقبلها لعقد صداقة بيننا وبينها ، وبعضها يحتاج القوة والإرادة وعدم الاستسلام ، وبعضها يحتاج استحضار الماضي في المستقبل والانطلاق من جديد ولحظة التقاعد بحاجة إلى الجميع ، فمن رحم لحظات النهاية يولد يوم جديد نستطيع أن نعيشه بلا قيود.