توفي في مكةالمكرمة شيخنا مؤرخ الحجاز العلامة عاتق بن غيث البلادي عن ثمانٍ وسبعين سنة، وبضعة أشهر، رحمه الله، وعفا عنه. وبفقده فقدت الأوساط العلمية والأدبية في المملكة عالِمًا كبيرًًا أثرى الساحة بمؤلفاته القيّمة، والتي تزيد عن أربعين مؤلّفًا ما بين مطبوع ومخطوط فضلاً عن كتاباته ومقابلاته في الصحف والمجلات والإذاعة والتلفاز، والتي أتمنى أن تجمع وتصدر في كتاب. وآخر ما طبع من مؤلفاته هو الطبعة الثانية من “معجم معالم الحجاز”، وقد أخبرني -رحمه الله- في اتصال هاتفي معه قبيل معرض القاهرة الدولي للكتاب بأنه في طور التجليد، وأنه كان يأمل أن يكتمل قبل المعرض، كما أخبرني أنه حين كان يتابع صدور الطبعة الأولى منه كان يأمل أن يفسح الله له في الأجل حتى يرى صدور هذا الكتاب كاملاً -بدأ في طباعته سنة 1398ه، واكتمل سنة 1404ه- وأنه الآن أي في وقت المكالمة يأمل أن يرى هذا الكتاب في طبعته الثانية، وقد طبع الكتاب لكن لم يره شيخنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد. تعود معرفتي به إلى عام 1415ه، حيث قمت بزيارته في منزله مع بعض الإخوة، ثم توالت زياراتي له خاصة في الاثنينية التي كان يعقدها في منزله بمكةالمكرمة طوال السنة تقريبًا، عدا بعض الأسابيع في شهر الصيف، حيث تعقد في منزله بالطائف، وكنت من روّادها وأفدت من الشيخ وممّن يحضرها الكثير (1)، كما أفدت من زياراتي الخاصة والاتصالات الهاتفية به الكثير أيضًا جزاه الله عني خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناته. عرفتُ عنه -رحمه الله- حبّه للعلم والصدق فيما يكتب، وبُعده عن حب الظهور، واحترامه لمن يخالفه، وإن اعترته حدّة في القليل من ردوده فمَن الذي سلم منها، وحين تبرّمتُ له من كثرة ما يكتب في علم الأنساب مؤخرًا من غثاء، وكثرة دعاوى الانتساب إلى أهل البيت والصحابة -رضي الله عنهم- والقبائل المشهورة في صدر الإسلام، وأثر ذلك على هذا العلم وعلى الروابط الاجتماعية، وأن النفس تحدّثني بالبُعد عن هذا المجال، نصحني بعدم التأثر خاصة بما يكتبه أصحاب الدعاوى العريضة، وقال لي بأن ما نكتبه اليوم سيأتي بعدنا مَن يغربله فيبين الصالح، والفاسد فكانت كلماته بلسمًا شافيًا. كل الدعوات أن يسبغ عليه المولى عز وجل شآبيب رحمته ومغفرته ورضوانه، وأن يلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. (إنا لله وإنا إليه راجعون). جدة في 2/3/1431ه * باحث تاريخي ________ (1) منهم الشريف إبراهيم بن منصور الأمير، والدكتور عبدالرزاق فراج الصاعدي، والفاضل جميل اللحياني، والأستاذ بدر اللحياني، والشريف حشيم البركاتي، والأستاذ يوسف الصبحي، وغيرهم كثير.