التأبين النثري قد يكون أبلغ من الرثاء لكونه مطلق العنان لا تحكمه أُطُر الوزن والقافية، وإن كنتَ صاحب قافية، ففي مثل غياب علم من أعلام الأدب والتأريخ تتزاحم الأفكار، فتنداح دون أن تخضع لمشرحة الشاعر. والشيخ عاتق البلادي مثله مثل مَن سبقه من المؤرخين خدم التأريخ بالتدوين لحاضره والبحث في ماضيه، وترك المستقبل لمن سيخلفه ليكون هو من ضمن معطيات من سيؤرخ. وأذكر هنا قول الشاعر : لازلت تأدب في التأريخ مجتهدًا حتى رأيتك في التأريخ مكتوبا والذي يعرف الشيخ عاتق عن قرب يشعر بأن الذي أمامه رجل ليس من هذا العصر. فقد أثّر فيه التأريخ حتى أصبح يرى الناس ويتعامل معهم بأثر رجعي، وكثيرا ما يصطدم بالواقع ويدفع ضريبة الظن! لقد كان الموسوعي عاتق بن غيث مدرسة عتيقة ترفض التجديد في المظهر، وتستقطبه في الجوهر، كُرِّم في كثير من المحافل، ولكن على استحياء ووجل لا يتواءم مع إنتاجه ومكانته وكفاحه. وكان آخر تكريم بل وأول تكريم! رسمي له من النادي الأدبي بمكة المكرمة، وكان -رحمه الله- قد جهَّز زمله للرحيل، فتم تأجيل التكريم حتى رحل. رحم الله عاتق بن غيث بن زوير البلادي رحمة واسعة، تغنيه عن كل تكريم. وقد رثيته بأبيات أقل بكثير من قدره؛ لأن الحدث جاوز التعبير والأبيات هي: تبكيك خمسون سِفرًا والنهى ودم نَزَّهته وبياض الطرس والقلمُ وفتية من بني الزهراءِ تعرفهم عشيرتي وهم القوم الذين همُ إن دُقَّ كعبُك في ساح أكفاح فما دُقَّتْ مآثرك البيضاء يا علمُ أدري بأنك لا تدري وكنت هنا راعي الدراية إن ضلوا وإن وهِموا فنُم فبعدُك لا خِلٌ يؤانسنا إلاّ البطاح وما أورثت والحرمُ * شاعر