طالب وزير الشؤون الاسلامية والاوقاف والدعوة والارشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ طلبة العلم والعلماء ان يبينوا للناس خطر الفتوى، وان يعلّموهم ان لا يتجرأوا على السؤال ويجب عليهم ان لا يتسرعوا في الاجابة لان الناس اذا رأوا من يفتي في كل حال ، فإنهم يحرصون على السؤال عما وقع وعما لم يقع ، وعن كل شيء فيقع الكثير من البلبلة !!. وضرب وزير الشؤون الاسلامية مثلا بهدي سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم - مفتي عام المملكة رحمه الله- انه لا يفتي وهو واقف الا ما ندر ، ولا يفتي وهو في السيارة ، وانما كان اذا اراد ان يفتي تربع ، واستحضر ذهنه ، واستجمع قواه ، وطلب من السائل ان يلقي عليه المسألة فعند ذلك يفتي، وكان المشايخ يروون عنه انه ربما أخّر الفتوى شهرا .اذا كان لها صلة بأمر عظيم ، حتى ينظر ويستخير ، وكان يتريث في بعض المسائل حتى يجيب فيها ، فيمكث في السطر او السطرين دقائق ليملي مخافة ان يكون في لفظ منها زيادة أو نقص ، وهذا نهج السلف الصالح في هذا الاصل من التورع والتثبت في الفتيا لما لها من الاثار. وحذّر وزير الشؤون الاسلامية من خطر القول ان هذا حلال وهذا حرام ، لان هذا من أشد الاشياء ان تقال ، لان المرء لا يجزم بموافقة حكم الله - جل وعلا- في المسائل الاختلافية ، او في المسائل المجتهد فيها ، وقد كان منهج السلف في هذه المسائل هو الورع والاحتياط في الدين ، فلا يقولون "هذا حلال الا لما اتضح دليله من أدلة الشرع ، ولا يقولون هذا حرام الا اذا اتضح دليله ، وكثير منهم يعبر بتعبير: اكرهه ، لا أحبه ، او يقول : لا يجوز هذا ، ونحو ذلك بعدا منهم وخلوصا من استعمال لفظ الحلال ولفظ الحرام". وقال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ :ان الفتوى الآن اصبحت مفخرة ، ان هذا يفتي ، والهاتف لا يسكت ، ويتكلم بغير تأنٍ ولا اتقان ، وربما يفتي وهو يأكل أو وهو ينظر الى شيء ، او وهو يكتب ، وهذا أمر في الحقيقة يخشى على المرء فيه ان يعاقبه الله -جل وعلا - بذهاب نور الايمان من صدره ، لهذا ينبغي لنا ان نعلم ان الكتاب والسنة ، وان هدي السلف الصالح ، وما كان عليه ائمتنا -رحمهم الله تعالى - هو التشديد في أمر الفتوى ، وان المرء يجب عليه ان يربأ بنفسه أن يعرّض دينه وحسناته للخطر بذنب يحدثه في الامة . وفرّق وزير الشؤون الاسلامية - في بحثه"الفتوى بين مطابقة الشرع ومسايرة الاهواء"- بين الفتوى والقضاء ، وقال: ان الفتوى باب ، والقضاء باب آخر ، والفرق بينهما أن القضاء يكون بين متخاصمين في الزام أحدهما بأداء الحق لصاحبه ، والذي يحكم بينهما القاضي الذي نصبه ولي الامر ، ليقضي بين الناس فيما اختلفوا فيه ، أما المفتي فانه يبين الحكم الشرعي من دون الزام ، ويترك العمل بالفتوى أو عدم العمل بها ، لما يكون من ورع المستفتي وتقواه ، فلا يبحث المفتي عن حال المستفتي : هل التزم أم لم يلتزم بالفتوى ، أما القاضي فانه يلزم بتنفيذ الحكم بما فوضه اليه ولي الامر ، ولهذا قال العلماء : ان القاضي لا يصح له ان يفتي في المسائل التي يقضي فيها ، فلا يصح ان يفتي في مسائل البيوع ، ولا في مسائل النكاح ، ولا في مسائل الشركات ، ولا في مسائل القتل ، ولا في مسائل الاعراض ، لان الناس اذا علموا فتوى القاضي في هذه المسائل ، فانهم يؤولون أمورهم عند الرفع اليه ، وعند التنازع بما يوافق فتواه ، أما في المسائل التي يكون فيها خصومة فان القاضي لا يفتي ، كما ان المفتي لا يفتي في المسائل التي فيها خصومة . وقال : اما المفتي فانه يفتي في المسائل التي لا تتعدى المستفتي الى غيره ممن عليه خصومة ، فاذا تعدت فان المسألة لا تكون حينئذ من باب الافتاء بل تكون من باب آخر ، ويبنى على هذا تصرفات المفتي والقاضي . وحدد الوزير ضوابط الفتى في مجموعة قواعد هي : لا اجتهاد مع النص، لا انكار في مسائل الاجتهاد ان الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، ودرء المفاسد وتقليلها ، وان الشريعة يسر ، وان المجتهد في المسائل التي لا نص فيها اذا كان فيها وجهان للقول فانه ينبغي ان يختار ايسرهما ، لان التيسير اصل من اصول الشريعة ، فتشريعات الشريعة كلها يسر. وقال الوزير : على المفتي ان يتصف بالبلوغ والعدل والعلم بالاحكام الشرعية ، والعلم بأحوال الناس واهوائهم واغراضهم ، لانه ربما توصل الناس بكلام المفتي الى اغراضهم واهوائهم ، وهؤلاء الناس قد يكونون من أهل الاهواء ، والمفتي اذا لم يعلم واقع الناس واحوالهم قد تسمى له الامور بغير اسمها ، وقد توصف له الامور بغير وصفها ، فلربما أوقعه ذلك في لبس وحيرة ، اما اذا كان عالما باحوال الناس ، وواقعهم ومقاصدهم ، أمكنه الاحتياط والحذر من أن تتخذ فتواه مطية لما لا تحمد عقباه ، وان يستغلها ذووا الاهواء ، فيجب ان يكون المفتي متأنيا متثبتا ، لا يصدر فتواه الا بعد إيقان وإتقان ، ونظر في المصالح والمفاسد ، حتى لا نعود الفتوى على من اصول الشريعة ، وقاعدة من قواعدها بالابطال ، وهي "ان الشريعة جاءت بتحصيل المصالح ودرء المفاسد".