عندما عارض الشاعر إبراهيم طوقان أمير الشعراء في قصيدته «قم للمعلّم وفّه التبجيلا» نقلنا إلى مسرح حي يبث فيه المعلّم أحواله، ويحكي معاناته مع طبقات المتعلمين، وتتدرج الأحداث بانسيابية إلى أن يُفجع المشاهد بنهاية مؤلمة يقع فيها شخص المعلم صريعا ضحية معاناته، وليت طوقان يسمح لي بأن أُكرّر «شوقي يقول وما درى بمصائبي» بصورة أخرى وضحايا آخرين، صورة يقتل فيها المعّلم المتعلمين جيلا بعد جيل، وعاما بعد عام، ولست أجد حرجا في نقل بث مباشر حي من خلف أسوار مدارسنا حكومية وأهلية، ودور يلعبه المعلّم ويتكرر -بلا مبالغة- في كل مدرسة، معلّم يقتل الطالب عندما يعلّمه بيع دماء المرضى طبيبا، وسرقة حديد المباني مهندسا، ومصادرة لقمة العيش من أفواه الفقراء والمعوزين تاجرا، وهدم المبادئ مربيا، ومخاصمة العدل قاضيا، ورعاية مصالحه الشخصية مسؤولا، أجل إنّه ذلك المعلّم الذي يتغلّب ضعفه على واجبه، وتنهار مقاومته أمام نفسيته المهزومة فيستثقل دقائق الملاحظة في قاعة الامتحان، وليقضي عليها يتناول ورقة إجابة طالب نقش حروفها بسهره وصبره واجتهاده، ومزج حبرها بدعاء أم وآمال أب، ثمّ يقدّمها وجبة هنيئة سائغة لبقية الطلاب، وعندما يعترض صاحب الورقة المسلوبة يكون حظه من جهده وتعبه «اسكت لا تغثنا خلينا نخلّص ونروح نتغدى» توقعوا معي ردة فعل هذا الطالب الذي سُرقت معلوماته تحت وطأة عدوان لا يملك دفعه، وهرم وهمي لا يستطيع دفعه، صدقوني لقد هجر هذا الطالب دروبه الأولى وجدّ في البحث عن الوسائل المريحة التي لا تكلّفه المشقة ولا تحمّله العناء، وبلا طول تفكير أو إعمال ذهن ما هذا إلا وجه من أوجه الاعتداء على الحقوق، واستطابة المسلوب، ومن هنا تنطلق فعاليات البناء والإعداد للمستقبل، فهل سنسأل فيما بعد من المسؤول عن كارثة اقتصادية أو بيئية بمساهمة بشرية حلّت بنا؟! هل سنسأل عن الضمائر والمبادئ متى قُتلت، وكيف انتهت؟! ولا أنكر أبدا فضل أصحاب الفضل من المعلمين الذين حولوا عددا كبيرا من أبنائنا إلى مخزون فكري وثقافي راق، نفخر ونعتز به، ولمثلهم أقدّم اعتذاري، فبعض الشرار يصبح شموعا تضيء المستقبل، وبعض الشرار يحرق الكون.