المقصود هنا هو الشيخ أحمد بن باز ، وليس والده الشيخ عبد العزيز يرحمه الله ، الذي يحتل مكانة رفيعة في نفسي ، هي امتداد للمكانة التي كان يحتلها في نفسيْ الوالدين صالح وأحمد جمال ، برغم خلافهما فقهياً معه – يرحمهم الله جميعاً - ، وأنا هنا أعقب على ما نُشر منسوباً للشيخ أحمد بن باز ، وتصدر الصفحة الأولى من صحيفة الوطن في عددها بتاريخ 29/2/1431ه ، وكان عبارة عن ردود على أسئلة طُرحت عليه في اتصال هاتفي أجراه معه الأستاذ عبد الهادي السعدي ، تعرض فيه لعدة أمور جديرة بالحوار ومزيد من الايضاح ، حول التجديد ، وقضايا المرأة ، والاختلاط ، والخلوة ، وتقنين النسل .. وفي هذا المقال سأركز تعقيبي على قوله بأننا نعيش انفجاراً سكانياً ، ودعوته -بشدة- لتقنين النسل ، ونقده لصمت علمائنا عن ذلك .. وللحقيقة أنني منذ مدة وأنا أود التعليق على الدعوة لتقنين النسل ، والتي يكررها بين فترة وأخرى الأستاذ عبدالله أبو السمح ، وما أود أن أبينه في هذه المسألة هو أن هناك من يبالغ في مسألة النمو السكاني في المملكة ، وأن معدلات الخصوبة ، أو معدلات الإنجاب لدينا هي الأعلى في العالم ، ويتوهمون أننا نعيش أو مقبلون على انفجار سكاني ، لتتداعى الصور السلبية لكلمة انفجار .. في حين أن الإحصائيات ، والمعايير المعتمدة في هذا السياق ، مثل معدل الخصوبة ، ومعدل كثافة السكان تؤكد غير ذلك. فبناءً على التعداد السكاني لعام 1419ه فإن إجمالي عدد سكان المملكة 19,89 مليون نسمة ، السعوديون منهم 14,47 مليون ، ووفقاً لتعداد 1421ه بلغ الإجمالي 20,84 مليون نسمة ، السعوديون منهم 15,58 مليون. وفي عام 1428ه بلغ الإجمالي 23,98 مليون ، السعوديون منهم 17,49 مليون. أي أننا خلال تسع سنوات ارتفع عدد السعوديين من 14,47مليون إلى 17,49 مليون. ويُشير التقرير الذي أصدرته مصلحة الإحصاءات العامة عن الخصائص السكانية والسكنية في المملكة العربية السعودية من واقع نتائج البحث الديموجرافي عام 1428ه (2007م) في صفحة رقم 16 إلى انخفاض معدل النمو السنوي خلال الفترة من 1425 وحتى 1428 إلى 2.3% ، مقارنة ب 2.5% وهو معدل الفترة من 1413 إلى 1425ه . ويعزو التقرير ذلك إلى انخفاض مستوى الخصوبة نتيجة زيادة تعليم المرأة وزيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة . وبافتراض تثبيت هذا المعدل وهو 2.3% سنوياً سوف يتضاعف عدد سكان المملكة من السعوديين بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الآن إلى يقارب ال 35 مليون نسمة. أما إذا تراجع المعدل وهذا هو الأرجح حسب الإحصائيات التي أشار لها التقرير ، والتي سيرد ذكرها لاحقاً ، فإن تضاعف العدد سيحتاج لأكثر من ثلاثين سنة .. فأين الإنفجار السكاني يا شيخ أحمد ؟؟ حسب موسوعة ويكيبيديا فإنه وفقاً لإحصائيات الأممالمتحدة لمعدل الخصوبة في مختلف دول العالم ، وهو متوسط عدد الولادات للمرأة في فترة الإخصاب ، يأتي ترتيب المملكة في المركز 57 من 195 ، وأن المعدل خلال الفترة من 2000-2005 كان 3,81 ولادة/مرأة ، وفي الفترة 2005-2010 انخفض إلى 3,35 ولادة/مرأة . وأن المعدل العالمي 2,65 ، وأعلى معدل 7,45 وأقل معدل 0,84 وفي إحصائية لوكالة الإستخبارات الأمريكية ، احتلت المملكة المرتبة 51 من 223 دولة ، والمعدل كان في عام 2000م 6,3ولادة/مرأة وانخفض في عام 2008م إلى 3,89 ، وأعلى معدل في الإحصائية 7,34 ولادة/ مرأة وأقل معدل 0,90. و الملاحظ هنا أن جميع الإحصائيات تشير إلى تراجع معدلات الخصوبة في المملكة ، وبالتالي تراجع الزيادة في أعداد السكان. أما إن نظرنا إلى معدل كثافة السكان في المملكة وبعض الدول الأخرى ، سنجد أننا من أقل المعدلات . فمساحة المملكة 2,149,690 كم مربع ، وعدد السكان الإجمالي -سعوديون وغير سعوديين- المتوقع في 2009م 25,721,000 ، أي أن الكثافة 11/ كم مربع (أي 11 شخص في كل كيلو متر مربع) في حين أن مساحة مصر 1,002,450 كم مربع ، وعدد السكان حسب إحصاء 2009م 83,082,869 نسمة ، وبالتالي الكثافة 76/كم مربع. وأما الصين فتصل الكثافة فيها إلى 140/كم مربع. وإذا انتقلنا إلى الهند فسنجد أن الكثافة فيها 349/كم مربع. أي أننا من أقل الدول في معدل الكثافة ، وهو ما يُشير -من هذه الزاوية- إلى أننا في حاجة أكثر من غيرنا إلى التكاثر ، الذي حثّنا عليه رسولنا الأعظم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. و لعله من المفيد أن أشير إلى إحصائية على نفس موقع موسوعة ويكبيديا لأعداد سكان دول العالم في عام 1900م ، تذكر أن تعداد الصين 300 مليون ، والهند 200 مليون وأمريكا 76مليونا ، فلو قارنا هذه الأرقام بتعداد هذه الدول هذه الأيام (2010م) سنجد أنها بلغت في الصين 1335 مليونا ، والهند 1177 مليونا ، وأمريكا 308 ملايين، وهو ما يشير إلى تضاعف أعداد سكان هذه الدول خلال مائة عام ما بين أربع وخمس مرات برغم فوارق التقدم بينهما ، وهو ما يُشير بوضوح إلى أن المشكلة ليست في معدل النمو ، وإنما في حُسن استغلال الموارد وحُسن إدارتها ، وأهمها المورد البشري. إن الدعوة إلى تقنين النسل في ظل هذه الإحصائيات وهذه الوقائع ، هي هروب من الحديث عن الأسباب الحقيقية وراء المشكلات التي يرددها دعاة التقنين في سياق التبرير لدعوتهم لتقنين النسل ، مثل تفشي الفقر والبطالة في البلدان العربية والإسلامية ، وأن معدلات الزيادة و(الإنفجار) السكاني تلتهم كل بادرة تقدم .. إن الدعوة لتقنين النسل هي صرف للأنظار عن واقع الفساد الإداري والأخلاقي المتفشي في عالمنا العربي والإسلامي ، والذي أهدر جميع ما نملكه من موارد ، (الإنسان والثروة والوقت) ، وبالطبع أغلاها وأهمها الإنسان. وبعد : إن الفساد الإداري والأخلاقي هو الذي يقف وراء التخلف الذي تعيشه مجتمعاتنا ، وليس التكاثر والنمو الإنساني .. أليس كذلك ؟؟