كم في كتب العلم أو مناهج التعليم من مسائل وتقسيمات لا فائدة منها إلاّ ضياع الوقت، وإكلال الذهن ممّا لا طائل منه. تجدون في بعض المصنّفات -مثلاً-: أركان الاستعاذة أربعة:1- صيغتها (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). 2- مستعيذ . 3- مستعاذ به وهو الله. 4- مستعاذ منه وهو الشيطان. تقسيم لا فائدة منه، لو أنصفتُ لقلت: إنه نوع من العبث الذي دخل في تصانيف العلوم الشرعية والعربية.. ومثل هذا نستطيع أن نقوله في كل شيء، فنقول في البسملة، أركانها أربعة: صيغة البسملة، ومبسمل، ومبسمل به، وهو الله، ومبسمل له، وهو السورة من القرآن أو غيرها، بل هو صالح لكل لفظ ينطق به المتكلم قصدًا، فما من منطوق إلاَّ وله ناطق وصيغة ينطق بها، وغرض يُقال من أجله. وكأين من مسائل شققت، وعلوم وسِّعت لم يكن لها من نفع إلاَّ حشو الأذهان بما لا يكسبها علمًا يزكّيها، ولا أدبًا يهديها، وما أُبرّئ نفسي، فقد كان أول درس كلِّفت به أيام دراستي في الكليّة أن ألقي درس التفسير لطلاب المرحلة الثانوية بالجامعة، فلمّا توجّهت تلقاء الفصل جلستُ جلسة وقار، ولم أحمل دفترًا، ولا كتابًا، ولا ورقةً، فقد دبّرتُ تحضير درسي بليل، وسألتُ سؤال العارف: أين وصلتم؟ فقالوا: عند قوله سبحانه: (وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ) فانطلقتُ أشرح، وأقول ما جمعتُ ووعيتُ، وأتلو الأشعار والفوائد، والقواعد والشواهد، وصلصل جرس الحصة، والدرس لم يستوفِ الكلام عن الباء في (بِهَادِي)، وخرجت والإعجاب والدهشة تملآن أو تملأ صدورهم، ولكنني عرفتُ بعد ذلك أنه لا ثمرة لمثل هذه الدروس على هذا النهج إلاَّ دهشة في قلب الطالب تورث تعجّبًا أو حيرةً، واتّضح أن الدرس كان نحوًا وصرفًا ولغةً، لا درسَ تفسير، فلينتفع بمثل هذا من شاء، وأبلغ نصح ما كان من تجرِبة (بكسر الراء).