إن ما ذكرته في مقالي السابق ليس تبريرًا لجنوح الفتاة، أو قبولاً لتصرفاتها غير الأخلاقية.. لكن قولي يحمل في طياته تساؤلاً ملحًا، ربما هو يدور في أذهان كثير منا، وينطق به صوت العقل، ويصيح في أعماقنا: لماذا يصفح المجتمع عن الفتى الذي اقترف خطيئة تستحق العقوبة والحد، كالزنا، والسرقة، وشرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، ويرفض رفضًا قاطعًا التسامح مع الفتاة التي تسلك هذا المسلك، حتى وإن تابت، واستقامت، وقضت عقوبتها، وتطهّرت من ذنبها؟ إنه التقديس للأعراف والتقاليد، حدّ السيطرة على التفكير، وإن كانت تلك التقاليد مخالفة للشرع، ونرفض الاستسلام لصوت العقل والحكمة الموافق للشرع؛ لأن عقولنا واقعة في دائرة الهيمنة المجتمعية. إن نظرة المجتمع للفتاة الخاطئة، هي نظرة أكثر من جاهلية؛ لأن الإسلام العظيم لم يفرّق في العقوبات والحدود بين الذكر والأنثى، ولم يحمّل الخطيئة للمرأة وحدها، ولم يدعُ إلى نبذها وإهمالها، وتركها تسير في طريق الضلال، فالمولى عز وجل قال في عقوبة الزنا: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة). فالعقاب واحد، ولكنه قدّم الزانية على الزاني، لأنها الأقدر على الإغواء، فالمولى عز وجل جعل قوتها في عاطفتها التي قد تستخدمها في الخير بين زوجها وأولادها وأهلها ومجتمعها، وقد تسخّرها في الشر باستغلالها في ارتكاب الخطايا والآثام، وكذلك في عقاب السرقة جعله واحدًا، (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما). فقدم لفظ السارق، لأن الرجل أقدر وأجرأ على القيام بهذا الأمر؛ لما حباه الله من قوة في الجسم، وعلى الرغم من عظم العقوبة، فإن المرأة والرجل سواء عند الرب في حجم الخطيئة وفي عقابها. لكن من أين جاءتنا تلك النظرة الجاهلية؟ وكيف ترسّخت في القلوب العامرة بالإسلام، هذا الدين السمح الذي قرر أن العقوبة إنّما هي لإصلاح الفرد، وحماية الجماعة، وضبط لنظامها، وليس الغرض منها هو الانتقام المقيت، بقدر ما هو استصلاح الفرد، والعمل على استقامته، فهي كما يقول الفقهاء (تأديب استصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب) الأحكام السلطانية (205 – 206)، وهي كما يقول ابن تيمية -رحمه الله- «إنّما شُرعت -أي العقوبة- رحمة من الله تعالى بعباده، فهي صادرة عن رحمة الخلق، وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم، والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض، اختيارات ابن تيمية: 171. أين نحن من هذا الشرع الذي يحترم إنسانية الفرد ذكرًا كان أم أنثى، فالمجرم وهو يقضي عقوبته له حق الاحترام والإحسان، لأن الهدف من العقوبة هو الاستصلاح، أمّا الاسلوب الذي يسير عليه الأهالي اليوم من تبرؤ من فتياتهم الجانحات، واحتقارهنّ، ورفض إعادتهنّ إلى محضن الأسرة بعد التوبة، وقضاء العقوبة، فإنه سيدفع الفتاة دفعًا في الطريق المظلم، فالأهالي بهذا المسلك إنما أزهقوا عواطفهم الفطرية من أجل إرضاء الناس، وفرارًا من اللائمة، ولكنهم.. هل سيفرون من عقوبة الإله لإهمالهم رعاية فتياتهم، وسترهنّ، واستصلاحهنّ كما أمر الشرع؟!.