عندما يقرع جرس الإنذار لينبّه المسؤول أيًّا كانت وظيفته أو مركزه، أن عمله يضج بالخلافات والاختلافات والتناقضات المريبة، لتجاهله العديد من الضوابط والأنظمة المنظمة له، وأن هناك ما يدل على سوء أدائه، ينتهج هذا المسؤول لغة التشكيك بالآخرين، ولا أعني بذلك الاستخدام العلمي للشك كمنهج للوصول إلى الحقيقة، فشتّان بين هذا وذاك، بل عنيت التخوين بكل معانيه وأبعاده، فتكون السمة الغالبة على سلوكه وتعاملاته. سوء النية في مَن حوله من زملاء المهنة، أو موظفين تحت إدارته، فيبدأ بالتدقيق عليهم في كل شاردة وواردة، ويلجأ إلى اتخاذ أساليب متخبطة غير مشروعة، لا يهدف أي منها إلى التحسين والتطوير، بل إلى الانتقام وتصيّد الأخطاء، فيدمر ويفني هممهم بالتخوين والتشكيك وسوء الظن، خاصة إذا كان لا يمتلك القدرة على المواجهة أو الرد، والدفاع عن نفسه لضعف حجته. وتزداد الطامة إذا لم يواجه بخطورة الدور الذي يلعبه، ويجد مَن يطبل له، ويزمر، فينساق خلف عبارات المديح والثناء، ويكتنفه الشعور بالرضا عن النفس، ويرفض بعد ذلك أي مواجهة، ويعمد إلى الجدال والمراء، فهما شريعته ونفوذه إلى مَن هم على شاكلته، فتُفْقَد المُثل، ويضيع المحك الحقيقي لتحديد الصواب والخطأ، وينهار معها الحق، والعدل، والنزاهة، وتذوب القيم بين ركامات المجاملات، وتكبير الرؤوس، ليطغى الاستبداد، ويعلو صوت القوة، ويتفاقم التقصير، وهنا تتسع المسافات، وتتضاد وتسد الطرق في وجه أي محاولة للحل، وهذا يجعلنا نتوصل إلى أننا في مواجهة حالة، إمّا أنها مرضية تحتاج إلى متابعة وعلاج، وإمّا أخلاقية تحارب النجاح، وتثبط الهمم بالتشكيك والتخوين. عذب الكلام.. - (شيء مؤسف أن يدعو البعض منا إلى التمسك بالمثل العُليا أمام الناس، ثم نلتمس الأعذار في تطبيقها على أنفسنا) توماس كارليل