تتضمن ميزانية الولاياتالمتحدة المقبلة تخصيص 1750 مليون دولار لبناء 7 طائرات فقط من طراز إف 22 الحربية المقاتلة الجديدة، أي بمعدل 250 مليون دولار للواحدة، وهو مبلغ يوازي تقريبًا سعر شراء طائرة إيرباص 380 العملاقة الجديدة، التي يمكن أن تحمل 800 راكب، في حال تخصيصها بالكامل لمقاعد الدرجة السياحية. ذلكم هو الفرق بين الهدم والبناء، وبين الشر والخير، وبين التدمير والإعمار!! طائرة إيرباص 380 يمكن تطويعها لنقل مئات الألوف خلال عام واحد؛ لتشكّل حركة دائبة تساهم في بناء المجتمعات، وتواصل الناس، ونمو الاقتصاد، والتعارف بين الشعوب. إنها مجموعة هائلة من الإيجابيات التي تتمتّع بها البشرية على مدار الساعة. وأمّا الطائرة الحربية، فمخصصة لتحقيق أهداف، أعلاها لا تتجاوز فرض مزيد من القوة والنفوذ، خاصة بالنسبة للدولة العسكرية الأولى على مستوى العالم، وأدناها تملّك وسائل متقدمة لإحداث مزيد من الدمار، عندما يحين موعد استخدامها في حروب لا تبقي ولا تذر. إنه التدمير والهدم، وإنه القتل والتشريد، وإنه خليط لا ينتهي من السلبيات والأذى والعداوة. ومبلغ 250 مليون دولار هائل كبير، بإمكانه أن ينجز الكثير، وأن يفعل الكثير. بهذا المبلغ تنمو اقتصاديات مجتمعات كثيرة فقيرة.. به تُبنى مدارس كثيرة، وتُقام مستشفيات متوسطة متعددة، وبه تُواجه جحافل هائلة من الفقر المدقع، والتخلّف المزمن. والمشكلة أن تطوير سلاح مكلّف من هذه الشاكلة يستدعي بالضرورة تطوير أسلحة مماثلة في دول أخرى تخشى الهيمنة الأمريكية، والاستفراد الغربي، والتراجع العسكري. وهكذا دواليك، كما تعاقب حجارة الدومينو.. تطوير يستدعي تطويرًا، وصناعة دمار تؤدي إلى صناعة دمار مماثل. باختصار الدولار الأمريكي الذي يُسخّر لبناء آلة الدمار الأمريكية تواجهه عدة دولارات تسخّر لبناء آلات دمار في روسيا والصين وغيرهما، ولشراء هذه الآليات المدمّرة من قِبل دول أخرى لا تمتلك التقنية ولا القدرة، بل وأحيانًا ولا حتى المال، وإنّما توفره، أو تقترضه على حساب شعوبها، وربما حتى أجيالها القادمة. ما أعجبها من مفارقة، وما أشدّه من ظلم، وما أقساها من دوامة تزرع الشر، وتحتضن الأذى، وتضر برفاهية الإنسان. [email protected]