بالقدر الذي أحسستُ فيه بغبطة وابتهاج حين علمتُ بتعيينه وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام، أحسست بفرحة غريبة، أو صدمة اختلط فيها الحزن والفرح، حين علمت بتقديم استقالته من منصبه، مبعث ذلك الإحساس الغريب أنني أعرف الدكتور عبدالعزيز السبيل، واقرأ أفكاره بشكل جيد، لم يكن من أولئك الذين تبهرهم المناصب ويتمسكون بها، ولمّا كان حريصًا على أن يكون مخلصًا في عمله، وعلى قدر كبير من الإحساس بالمسؤولية، وهو الذي لم يخيّب آمال المثقفين الذين وثقوا فيه، وعلقوا عليه آمالاً كبيرة. لذلك أثبت حسن نواياه وصدقه في كل ما وعد به في ظل ظروف قاسية ومرحلة ليست سهلة، فمَن يتخلى أو يستقيل من منصب يُحسد عليه الكثيرون، إلاّ من كانت له رؤية واعية، ونية صادقة، وعزيمة على الإخلاص والجد في العمل. كان الدكتور عبدالعزيز السبيل، وهو القادم من البيئة الثقافية والوسط الثقافي، مشغولاً بهموم المثقفين، ومدركًا لكل الإشكاليات والعقبات، التي تواجههم، وكذلك الاحتياجات والطموحات التي تتطلبها مفازات الثقافة، لذلك وهذا ما جعل كل المثقفين يستبشرون وكلهم آمال وطموحات بمستقبل مختف بثقافة متغيرة، وأن كل مثقف وأديب مبدع، سينال حقه في المشاركة وتحقيق الذات، لذا فإني أجد أنه من غير المستغرب، ألا تصدمنا أو تفاجئنا استقالة عبدالعزيز السبيل، وقد شهدنا خلال فترة وجوده في منصبه كوكيل للوزارة لشؤون الثقافة، عهدًا جديدًا تبلورت فيه ملامح المشهد الثقافي بكل حراكه وتوجهاته، ولأننا نشفق على مثقف مسؤول، نعلم حجم تطلعاته واجتهاداته، وبُعد رؤيته التي لا حدود لها، وقد خشينا أن ينهار كل ما تحقق لنا باجتهاده من إنجازات. في ظل ظروف بيروقراطية واجتماعية صعبة، ينهار أمامه. عبدالعزيز السبيل، الذي عرفته أول ما تعرفت عليه حين قدم إلى نادي جدة الأدبي، لحضور أحد نشاطاته، عام 1411ه، وقد علمت أنه مهتم بالبحث في نقد وقراءة الإبداع القصصي، ولاحظت في البداية أنه يؤثر الاستماع على الحديث، حتى جاءت الفرصة، للاستماع لآرائه، ولم أكن أتقصد إحراجه فطلبتُ منه التعليق، في إحدى الأمسيات القصصية التي أدرتها فامتنع، وقد بدا أنه لا يحب أن يُرغم على شيء لا يريده، توطدت علاقته بنا، حضر معظم الأمسيات القصصية التي أقامها النادي بين عامي 1413 - 1415ه، والتي شارك فيها قصاصون متميّزون، أذكر منهم الزملاء محمود تراوري، يوسف المحيميد، عمر طاهر زيلع، أحمد بوقري. كما شارك بفعالية وحضور متميز خلال مهرجان القصة الخليجي الذي أقيم في جدة عام 1420ه، وفي أمسية تكريم القاص الراحل عبدالعزيز مشري. كان أول نشاط للدكتور السبيل ضمن فعاليات نشاطات النادي، مشاركته في الحوار الذي أقيم حول الرواية مع د. أبوبكر باقادر ود. حسن النعمي عام 1418ه، كما أنه لفت الانتباه مداخلته وتعليقه في محاضرة الدكتور الغذامي في النقد الثقافي، فكان أن أصبح له حضور أسعدنا كثيرًا. ولا أغالي إن قلت إنه أحد مكتسبات النادي في استقطاب الكفاءات. ومن المهام التي تولاها الدكتور السبيل في النادي، علمًا بأنه لم ينضم كعضو في مجلس الإدارة، ترؤسه لجنة النشاط الثقافي بالنادي عام 1416ه، وقد أحدث في فعالياته تغييرًا، حقق من خلاله النادي الكثير من الإنجازات المميزة، كما أسندت إليه مهام الإشراف على الملتقى الثقافي، الذي أصبح الآن (جماعة حوار)، خلفًا للدكتور المعطاني، وقام بدور كبير لتفعيل أنشطة الملتقى، بما تم طرحه من قضايا ثقافية وفكرية، تقدم بأوراقها، في تجربة واعية للقراءة والحوار، الاساتذة عبدالمحسن القحطاني، أبوبكر باقادر، سعيد السريحي، محمد الشوكاني، معجب العدواني، حسين بافقيه، فهد الشريف، فايز أبا، علي الشدوي وغيرهم. أمّا في مجال الإصدارات، فهو صاحب فكرة دوريتي (الراوي) للقصة و(نوافذ) للترجمة، إضافة إلى ما كان يبديه من وجهات نظر ورؤى إبداعية حول بقية الدوريات ك(علامات) و(جذور). عبدالعزيز السبيل، كان بالفعل على قدر المسؤولية، كنا نثق فيه وفي توجهاته، وقد ملأ مكانًا في هرم القيادة الثقافية لم يسبقه إليه أحد، سر نجاحه أنه كانت له أجندته ورؤيته، وما أحدثه من تغيرات في هيكلة المؤسسات والأندية الثقافية، وقد أعاد صياغة منتجها الثقافي بما يتلاءم مع الحراك الثقافي ومتغيرات العصر، ولا شك أنه أدرك، أنه ليس من السهل تغيير توجهات وعطاءات تلك الأندية، حيث تختلف طبيعة هموم ومتطلبات واهتمامات منطقة كل نادٍ، لكنه كان مهتمًا، بضرورة أن تحقق الأندية الأدبية نتائج أفضل ومنتجًا ثقافيًّا إنسانيًّا حقيقيًّا يخدم الوطن والمواطن. إن الجهد الذي بذله الدكتور السبيل جهد شاق، فالمرحلة التي تولى فيها مسؤولياته، كانت مرحلة صعبة، العمل فيها صعب ومرهق، والعقبات فيها كؤود. كانت بحق مرحلة لا يصلح لمتغيراتها وتياراتها الجارفة إلاّ مَن كانت له عزيمة وصبر الدكتور السبيل وإخلاصه.