يشكّل الإبداع في ذاته طورًا من أطوار الانفصال بين الوعي واللاوعي.. بين الحقيقي والمتخيل، انفصال تنشطر فيه الذات بين عالمين: أحدهما يكتنز بوعي يوجّه علاقاتِ الإبداع غيرِ النمطية، والآخر يرقى إلى عوالم الخيال؛ طلبًا لصورة ينقلها من الوهم إلى الحقيقة، وتبقى الذاتُ - في النهاية - ذاتًا واحدة. نحن إذن أمام ثنائية من الأضداد المتناظرة، أو الدوالّ المتعارضة، ولكنها تجتمع في نهاية المشهد؛ لتنتج إبداعًا - على اختلافه- مكتملَ الملامح- تجاوزًا-، غض الإهاب، فكأننا أمام حالةِ خروجٍ من الوعي، ودخولٍ في اللاوعي بصورةٍ تبادلية، أو أننا في برزخ على مسافة متساوية من البحرين، إنها حالة ُغيابٍ مُعقلن، أو حضورٍ مجنون، كما أشار أجدادنا في نظرية شياطين الشعر، وكما عرفنا حديثًا في سيكولوجية الإبداع. إن المبدع يَخرج من اللغة، ويَدخل فيها: يتحرر من سلطة اللغة التاريخية المعجمية، ويَدخل - طواعية ً- تحت سطوة اللغة المتعالية المطلقة، غيرِ محدودةِ الفضاء والأبعاد. مرجع. الإبداعُ خروج ٌعن المألوف ودخول ٌإلى غير المألوف، واللغةُ وسيلته فى ذلك؛ لكونِها دالّة ًبمعانيها المعلومة والمحدودة؛ وكونِها علامةً بسطوتها وفضائها غير المحدود، وتصبح القصيدةُ في تلك الحال - شأنها شأن العلامة - “مرتبطة بالحضور، وقد ترتبط بالغياب، وقد تقف أيضًا في تلك المنزلة الخاصة الفاصلة بين الحضور والغياب أو المسافة الفاصلة بينهما.” (1) لقد راودتني هذه الأفكار، وأنا أقرا قصيدة (خروجًا عن النص) لأشجان هندي، حيث يجسّد النصُّ هذه الحالةَ المتشابكة من الدخول والخروج، وتتماهى الذاتُ مع الإبداع، ويصبح المألوفُ في عين الآخر غيرَ مألوف أمام الذات /الشاعرة/ الأنثى، التي يمثّل حضورُها بين الناس غيابًا عن ذاتها؛ استشرافًا لصورة غائب تتغيا حضورَه. النص تيارٌ شعوري جارف يقبض على الذات في حالتيها: الحضورِ والغياب، حيث ترفض الحاضر، وتبقى رهينة المستقبل المنتظر، وبين الحالين تعيش مساحة من القلق والترقب في مراقبة الزمن، الذي يشكّل هاجسًا يؤرّقها بين الرغبة عنه، والرغبة فيه. مرجع. النص بوحٌ شعري، تواجه الذات نفسَها من خلاله في إطار سردي بفضائه، وشخوصه، وأحداثه التي تأخذ منحنى دراميًّا متصاعدًا على امتداد النص، إلا أن الزمن هو البطلُ الحاضر بقوة من خلال مجموعةِ مَشاهدَ دائريةٍ مغلقة، تبدأ به، وتنتهي به. وتعكس هذه المَشاهد حالتي الذات في حضورها وغيابها، وتشكّل لُحمة النص /الزمن في الخروج عنه، أو الدخول فيه. القصيدة ستة مشاهد تنقسم إلى مرحلتين: - الخروج.. من الأول إلى الرابع. - الدخول.. المشهد السادس. والبرزخ بينهما في المشهد الخامس. ويشكّل المساء قاسمًا علاميًّا في المرحلتين، حيث تكرَّر في الأولى أربعَ مراتٍ، وفي الثانية أربعًا. ومرةً بينهما في البرزخ لا تنتمي لأيٍّ من المرحلتين، وكأنه مفقودٌ بينهما. وهذا المساء ُ المفقود هو المساء المنتظر؛ لأنّه يتشكّل من خيالات الذات، التي ترسم له حضورًا خاصًّا في المرحلة الثانية.. حضورًا يختلف عن المساءات الأخرى، وتغلفه مِسحة ُرومانسية. وتكثيفُ حضور المساء في المشهد السادس، يعكس رغبة الذات الملحة في تَحقُّق المتخيَّل، وتعجلِ الدخول في النص / الزمن / الحياة؛ فالذات تُحقّق ماهيتها، وتستشعر حياتها في ذلك المساء المنتظر. هذه بعض الرؤى العامة في القصيدة، والتي ستتكشف مع القراءة الانسيابية لذلك الخروج من أجل الدخول. ولأن القصيدة ذاتُ صبغة سينمائية، حيث تتألف من مجموعة مشاهد متتابعة، سأتناولها مشهدًا مشهدًا؛ لتتبع منحنى تيار الشعور. تقول أشجان في المشهد الأول: في مساء بليد يهيئني لخروج عن النص مع الآخرين، ربما للتسوق، أو للنميمة، أو قتلِ بعضٍ من الوقت؛ شاخ، وما عدتُ أحتاجُه في البدء كان الزمن وفي الانتهاء، ولكن الذات تزوَرّ عنه، فتصِمُه في بداية المقطع بالجمود والبلادة وافتقادِ المشاعر، وفي نهاية المقطع تراودها فكرة الاستغناء عن الزمن، والعزوف عنه. يرتبط ُالخروجُ أولَ ما يرتبط في الذهن بالمكان، ولكنه في هذا المشهد لصيقٌ بالزمان من خلال تركيب البداية (في مساء بليد..)، فنحن أمام حالة خروج مزدوج: خروج عن النص على المستوى الفني، وخروج من الزمن على المستوى الحياتي. إن بنية المشهد، - وكذا بنيةَ المشاهد الأخرى إلى المشهد الرابع - بنيةٌ مغلقة، تشكّل دائرة مفرغة تدور فيها الذات، ولا تستطيع الخروج منها؛ لأنها محاصر ٌ داخلها، وهذه الدائرة تفرض نفسها بإلحاح؛ لأن تكرارَها في أربعة مشاهد يعني تمكنها من الذات. وليست الذات وحيدة في هذه الدائرة، بل يشاركها آخرون هذا الحصار، وتلك نظرة رومانسية تتمثّل في انطلاق أشجان من الخاص إلى العام، وفي المشاركة الوجدانية بينها وبين الآخرين. يؤكد هذا أيضًا تنكيرُ الزمان (مساء) ما يعني عموميته، وعدم اقتصاره على ذات بعينها، ولكنه مساء لا يتميز بشئ إلا البلادة والجمود. ونلاحظ أن تركيب البداية في هذه القصيدة تركيب عدائي تجاه الزمن، يبدأ بالشعور من خلال وصف الزمن بالبلادة (في مساء بليد)، ويتطور إلى الفعل في نهاية كل مشهد، حيث تتجسد رغبة الذات في الإجهاز عليه، وعدم الرغبة فيه (أو قتلِ بعضٍ من الوقت – شاخ – وما عدتُ أحتاجُه). وتؤدي علامات الترقيم في المشهد دورًا شفريا حيث جاءت في الأسطر الثلاثة الأخيرة هكذا: (أو قتل بعض من الوقت؛ - شاخ ، - وما عدت أحتاجه)، ويتكرر ذلك في المقاطع الأربعة الأولى، إذ توضح الذات عِلَّة شعورها العدائي تجاه الوقت؛ حيث فقد شبابه ورجولته وكهولته، وصار شيخًا. وتركت أشجانُ السطرَ الأخير دون علامة ترقيم، وكأنها تترك الفضاء مفتوحًا على مستوى النص لتكملة البو ، وعلى مستوى الحياة لانتظار المساء المفقود الذي أشرنا إليه؛ يدل على ذلك بنية السطر الأخير، فهي تنفي الماضي، ولا تنفي المضارع، بما يعني أنها لا تصادرُ حَقَّ الذات في انتظار المستقبل، فيما لو تخيلنا وقفة التقاطِ أنفاسٍ بين الفعلين. يأتي المشهد الثاني ليصعدَ بمنحنى الدراما في القصيدة، ويبرر الشعور العدائي تجاه الزمن - أكثر من كونه قد شاخ - حيث تسيطر على الذات مسحة من الاغتراب النفسي في خروجها عندما تقول: في مساء بليد كهذا الذي يهيئني للخروج بصحبة من لا يجيدون فن الخروج عن النص وأن الذي لم يمت بعد؛ يتهيأ مثلي لغياب غبي عن النص نحن أمام حالة من حالات نفور الذات من الآخرين، رغم صحبتها لهم أحيانًا. يعكس هذا المشهدُ تشوفَ الذات لانتظار ذلك الغائب عن النص، فهي مُجبرة على الخروج من قبل المساء الذي يهيئها لذلك. ونلاحظ المساواة الدلالية بين الذات وذلك الغائب: فهي (تخرج عن النص)، وهو (يتهيأ لغياب غبي عن النص). وهذا الغائب (لم يمت بعد)، وهو حاضر في مَخِيلة الذات؛ بدليل استخدام الفعل المضارع مع كل منهما، الأمر الذي يكسبه الحضورَ، رغم الحديث عن الخروج والغياب. ويبدو التعادل أيضًا في ختام المشهد الثاني، فهو (يقتل بعضا من الوقت الذي شاخ وما عاد يحتاجه) مثل الذات تمامًا، وكأن الذات وهذا النموذج الغائب يعيشان انفصالاً واغترابًا عن المجتمع بحكم اختلافهما عن الآخرين، الأمر الذي يحتم تلاقيهما فيما بعد. كما تسخر الذات من نفسها، ومن ذلك الغائب، عندما تصِمه وتصِم نفسها بالغباء الذي يجسد الانفصال: فكلاهما خارج عن النص، وخارج عن دائرة الواقع، رغم دورانه في دائرة الزمن المفرغة على مستوى النص. وفي المشهد الثالث يرتفع المنحنى الدرامي للفعل الشعري؛ إذ ينتقل من مرحلة الخيال في المشهد السابق إلى مرحلة الواقع، فيجسد هذا المشهد سخرية الذات/ الأنثى من الشَّعر / الرجل. فكأن صراع الذات مع شَعرها يمثل نقطةَ الوثوب إلى الصراع الحقيقي بين الذات / الأنثى والآخر / الرجل في نهاية المشهد. تقول أشجان في بداية المشهد: في مساء كهذا الذي أتحدث عنه: أُهيئ شَعري للانزلاق السريع أعقده عنوة بلا شئ كي ينزلق فأزعم أني أؤدب سوء نواياه أجمعه بين كفي التي أشيرُ بها فجأة أتظاهر بأني نسيت بأني بكفي أحاصره ثم أضحك إذ ينطلق تعيش الذات في هذا المقتبس لحظة من لحظات التحكم المتخيًّل والكيدِ المصطنَع، وهي تستمتع بسيطرتها المزعومة على شعرها (أعقده عنوة بلا شيء). فكأن حرية شَعرها تضايقها؛ فتعيش في خيالها لحظة العقاب (فأزعم أني أؤدب سوء نواياه)، وأي سوء نوايا عند الشعر في حركته؟ إلا إذا كانت تعني شيئا آخر (الرجل مثلاً)؛ ولأن سوء النوايا يجلب العقاب، نجد الذات تحاصر شَعرها بكفها، مستمتعةً بالتحكّم في حركته عَقْدًا وانطلاقًا. وتغلب الغنائية على الجزء السابق الذي يشهد حضور الذات /الأنثى بقوة في الأفعال المضارعة (أتحدث – أهيئ – أعقد – أزعم – أؤدب – أجمع – أشير – أتظاهر – أضحك – ...)، في حين حضر المذكّر / الشَّعر مرة واحدة في البداية، وغاب على مدار المقتبس السابق، في إشارة إلى تفوق الذات في الصراع، وتحكمها في درجته -صعودًا و هبوطًا -. ويمثّل الجزء التالي من المشهد مرحلة ًبين مرحلتين؛ فهو خروجٌ من حالةٍ، ودخولٌ في حالةٍ أخرى، إذ يمثل المعبر الذي يتطور من خلاله الصراع. تقول أشجان: ثم أضحك إذ ينطلق ربما: لأني أحب الخروج عن النص، أو ربما: لأُشعل ذاك الذي، قد اختار أن يحترق يكمن مفتاح التأويل في هذا المقتبس في العلامة (ربما)، التي تمثّل معبرَ تطور الصراع، بما يتلوها من تفسيرٍ لها. وتكرارُها مرتين يعادل بين ما بعدها في الأولى والثانية؛ حيث يمثل الخروج عن النص، معادلاً لإثارة الآخر وتحفيزه؛ ليتيح - برغبته - للذات المترقبة فرصة الانتقام (أشعل – اختار – يحترق) في صورة من صور ممارسة كيد الذات / الأنثى في صراعها الحريري مع الآخر / الرجل. والكيدُ في هذا الجزء كيد معنوي بالتجاهل: فقرّب مني كرسيه إذ تجاهلتُه وزعمتُ بأني مشغولة ٌبالمغني الذي جاء ربما للتحذلق أو لمجاملة الذهب المتهيئ للرقص بين المشالح أو لمغازلة الزمن المتبرج في ساعة من شويارد أو ربما جاء يقتل بعضا من الوقت شاخ وما عاد يحتاجه إن التجاهل في هذا الموقف الصراعي معادل لتأديب سوء النوايا في الموقف السابق، وكأن تأديبَ جزءٍ من الذات تمهيدٌ لتأديب الآخر. وإن كانت قد حاصرت شَعرها، فقد تجاهلت الرجل عند اقترابه. ونلاحظ دور أفعال الحركة في إِذكاء أُوار الصراع (أحاصر – ينطلق – قَرّب)، ويلفتنا أنها تركت الرجل يحترق، كما تركت شعرها ينزلق فكلاهما (الانزلاق والاحتراق) فيه اقتراب من الذات / الأنثى المتحكمة في الصراع ولا ترضى بغير ذلك، فلا فرق بين الدائرة التي صنعتها بأصابع كفها وهي تحاصر شَعرها، والدائرة المغلقة التي ينحصر فيها صراع الرجل والمرأة من الأزل وإلى الأبد. وما يثير الانتباه في هذا المشهد السخريةُ من الآخر/ المغني/الرجل و اهتمامِه بالمظهر/ الذهب /الساعة ذات الماركة العالمية (شويارد) ولو على حساب فنه. فهو يقتل وقته، ولا يخلص لفنه مثل أدعياء الحداثة – وهم بعيدون عنها – في المشهد الثاني. تتجسد في المقتبس السابق بدايةُ نقلةٍ جديدة في صراع الذات/ الأنثي والآخر/ الرجل.. صراع الاستعراض المتبادَل بينهما، ولكن هذا الصراع يُكسب النص حركية عارمة، عندما يتطور بصورة سافرة في المشهد الرابع، الذي يشكّل أعلى نقطة في منحنى الصراع؛ حيث تعترف الذات – صراحةً– بممارسة الكيد الذي تجاوز التجاهل إلى الفعل، في صورة تعطي التأويل السابق مصداقية، إذ يقول إمبرتو إيكو: “إن كل تأويل يُعطى لجزئية نصية ما يجب أن يثبته جزءٌ آخر من النص نفسه، و إلا فإن هذا التأويل لا قيمة له. وبهذا المعنى، فإن الانسجام الداخلي للنص هو الرقيب على مسيرات القارئ.” (2). من هذا المنطلق يتحقق الانسجام الداخلي للنص عندما تقول أشجان: في مساء كهذا الذي أتحدث عنه أُعنَى – كمثلي من الخارجين عن النص – برائحة العطر ؛ أختار: كارتيير أو ما ينادم روح الزجاجة من روح قوتشي أو أرش غيومًا على جسدي من جفنشي أختار أن أتكسّر في مشيتي بكعب يغني على وقع زوربا وسيناترا والقصبجي فأدوات الكيد في هذا المقتبس هي ذاتها أدوات الاستعراض من: عطور عالمية فاخرة (كارتيير – قوتشي – جفنشي)، ودلال في المشية (أتكسر في مشيتي)، وتأثُّر بالموسيقى (زوربا – سيناترا – القصبجي). ورغم سيطرة حديث الذات على المقتبس السابق، نشهد حضورًا قويًّا للرجل؛ حيث إن أسماء الماركات العالمية التي ذكرتْها كلها أسماء رجال، وكذلك أسماء الموسيقيين، وأولهم من أوربا، وثانيهم أمريكي، وثالثهم عربي مصري في إشارة إلى أن الذات لا تقف عند مستوى معين في تذوق الموسيقى والفن، الأمر الذي يعني اهتمامها بالمشاعر و الأحاسيس عكس الآخر / الرجل الذي يهتم بالحسيات والماديات مثل المغني والمُتَجَاهَل. ويلفتنا في هذا المقتبس السطر الذي تقول فيه أشجان: أو ما ينادم روح الزجاجة من روح قوتشي فهذا السطر تتجلى فيه مقولة بول ريكور “النص هو الوسيط الذي نفهم عبره أنفسنا”. هذا التجلّي يتمثّل في العلامتين (ينادم – روح)؛ لأن الكيد والاستعراض والصراع – مهما بلغ كلٌّ منها مداه – فإنها أمورٌ مصطنَعة تهدف للاقتراب أكثر من الابتعاد، كما أن الذات – اتساقًا مع التأويل السابق – تعنيها المشاعر والأحاسيس والاقتراب النفسي من خلال المنادمة أكثر مما يعنيها حديث الجسد، وما التلاصق بين العطر والزجاجة إلا علاقة منادمة أبدية مُتمناة بين الرجل والمرأة. وتعلن الذات سأَمَها الخروج عن النص بصحبة أولئك الماديين الذين أدمنوا عشق المظهر: مدمنو رنة الآه بين الخلاخيل هم فئة لست أختارها - حين أنوي الخروج عن النص- لكنها فئة غالبة إن الذات تفتقد الرجل النموذج الذي تبحث عنه (هم فئة لست أختارها) في ضوء الصحبة الاضطرارية للنماذج المذكورة، وكأنها بدأت – في لمحةٍ رومانسية، وإرهاصٍ بالانتقال والتغيير – تبحث عن طريق خاص بها، عندما تستأنف سخريتها، وتمزج بين الخاص والعام في صورة من صور تضافر الرومانسي و الواقعي في قولها: ولا غالبَ في زمان الخروج عن النص غير الذي يُطرب الفئة الغالبة ربما: للتملق أو لرجم الغناء الأصيل، أو قتل بعض من الوقت؛ شاخ وما عاد يحتاجه يبلغ مللُ الذات وسأمها قمته، عندما لا ترى في نفسها أمارة من أمارات التميز، وهي تخرج عن النص مع الخارجين في إشارة لفكرة الإمعة التي تستشعرها الذات من جهة، وتمهيدٍ للتمرد على حالة السكون التي تسيطر على الذات في انسياقها مع الآخرين في ملمح رومانسي من جهة أخرى. وتؤكد على هذا في ختام هذا المشهد؛ عندما تعود إلى شخصية المغني الذي يمثل الجانب الواقعي في تملقه و نفاقه، ورغبته في الظهور والغلبة؛ لدرجة أن ذلك المتحذلق لا يعنيه الغناء بقدر ما يعنيه أن يغني مهما كان صوته، وليس رجم الغناء الأصيل إلا محاولة قتل للقيم الغائبة عن النص، ولكن تستدعيها أضدادها طبقًا لعلاقة الحضور والغياب. .. نواصل ------------------ الإحالات: • نشر النص بمجلة وج الصادرة عن النادي الأدبي بالطائف – العدد الثالث – يوليو2..9 (1) دانيال تشاندلر – معجم المصطلحات الأساسية في علم العلامات – ترجمة شاكر عبد الحميد – القاهرة – أكاديمية الفنون – 2..2 – مقدمة المترجم – ص1. . (2) أمبرتو إيكو – التأويل بين السيميائيات والتفكيكية – ترجمة وتقديم سعيد بنكراد – الدارالبيضاء – المركز الثقافي العربي – 2... – ص79. --------------- (*) أستاذ النقد الأدبي الحديث المشارك بجامعتي عين شمس والطائف