لقد كان مطلع القرن التاسع عشر مسرحاً لانطلاقه غربية ضخمة وقوية صناعةً وإنتاجاً و صاحب ذلك ثورة اقتصادية واسعة استدعت توجهاً هائلاً للتسويق وتصريف المنتجات وتحقيق الأرباح بابتكار وسائل تدفع الجمهور إلى الشراء و الإقبال على السلع والخدمات المختلفة عبر الحملات الدعائية وفنون الإعلان القائمة أصلاً على تحريك نزعة الاستهلاك وحب التملك , وقد استمدت الثقافة الإعلامية مضامينها في الحياة الغربية عن النظام الرأسمالي الذي يقدِّس المادة ويستخدم كل الأساليب لتحصيلها بصرف النظر عن المبادئ الدينية أو الاجتماعية 0 وقد حولت العولمة الاقتصادية العالم إلى سوق تحكمه المصالح المادية وتغيب عنه الضوابط الأخلاقية , وكانت وسائل الإعلام والاتصال هي الآلية الأولى والأخطر في الترويج للأفكار وفرض التغيّرات وتوحيد القيم والأنماط الدخيلة . وقد ابتلينا في بلاد الإسلام بامتداد تلك المنظومة الإعلامية الدولية إلينا ونقلها بعوارها وسلبياتها دون تحوير أو تهذيب أو مراعاة لمبادئ المجتمع المسلم وتقاليده ولعل من أسوأ المشاهدات في عالم الإعلانات اليوم أن يتم استغلال المرأة كوسيط بين الجهات المنتجة ووكالات الدعاية وبين المستهلك لا بالاعتماد على دورها الرائد في المجتمع وتوظيف قدراتها الفكرية والمهنية إنما بتوظيف جسدها لأغراض تجارية دنيئة واستخدامها كأداة للتسويق من خلال الإغراء والإثارة , و محور للإعلان عن كل شيء اللباس الأثاث الطعام بل حتى إطارات السيارات والمبيدات ومعاجين وماكينات الحلاقة الرجالية مما جعل المرأة بحق هي البضاعة والصناعة وفق تلك النظرة المادية التي سحقت كرامتها وحطت من آدميتها ! وعليه وفي ظل تغيرات العولمة وغياب الوعي واليقظة والضمير الإسلامي وغفلة وتخاذل الجهات الرقابية المسؤولة عن حماية المجتمع انتشرت تلك الأنشطة والأعمال الدعائية التي اكتسحت محطات التلفزة والصحف والمجلات ومواقع الإنترنت ولافتات الشوارع والمحلات التجارية وضجت بكثير من صور الابتذال والوقاحة وامتهان جسد المرأة في مشاهد غير لائقة ومنافية للآداب مع كثير من الصور الفاضحة والإيحاءات والحركات الجنسية الفجة أو العبارات الترويجية المخجلة التي تُصاغ بصفاقة ومُباشرة مما يخدش الحياء ويجرح الذوق العام . ومن المؤسف أنه رغم انتشار هذه النوعية من الإعلانات وكونها ظاهره خطيرة تسيء إلى هويتنا وثقافتنا الإسلامية إلا أننا في المقابل لا نزال ننتظر إنشاء هيئة أو لجنة تنظيمية عُليا ذات سلطات توجيهية ورقابية تكون مسؤولة عن رصد التجاوزات وفرض معايير وضوابط إسلامية وسياسات واضحة ودقيقة يجب أن تقف عندها الجهات المنتجة والمؤسسات المعلنة ويتم مراعاتها قبل صياغة وتصميم المادة الإعلانية ثم لابد من تشريع قوانين محددة وإجراءات لمتابعة ومساءلة الحملات الدعائية المخالفة وتقنين العقوبات الصارمة واستخدامها في حال عدم التزام المؤسسات الإعلانية بتلك المقاييس والقواعد التي تحترم الإسلام بعقيدته وفكره وحضارته. نعم يجب أن يكون هناك مبادرة تقودها وزارة الثقافة والإعلام ووزارتا الصناعة التجارة وبعض الأطراف والأجهزة المختصة للحؤول دون ذلك التهتك والتحلل القيَميّ أن يضرب بأطنابه في جسد الأمة عبر اقتصادها وإعلامها ليبقى الإعلان تسويقا لسلعة أو فكرة أو خدمة عبر عرض ميزاتها وإبراز جودتها دون تضليل أو غش أو مبالغة أو إسفاف أو متاجرة بالجسد الأنثوي الذي كرمه الخالق سبحانه . ريم سعيد آل عاطف - جدة