«الجَوَاز» ذَلكم «الكِتَاب الأخضر»، لا يَعرف قيمته إلَّا مَن فَقده، لأنَّه يَدخل في دَائرة مِن الإجرَاءات والتَّحقيقات، حتَّى يَحصل عَلى «بَدل فَاقد» ولا يُنبّئكَ مِثل خَبير! وقد يَعتقد البَعض أنَّ «الجَوَاز» مُحدثة مِن شرور مُحدثات هَذا العَصر، ولكن استقراء الكُتب يُؤدِّي إلى عَكس ذَلك، حيثُ يَقول شيخنا «أحمد الغزَّاوي» في شَذراته ما يلي: (قال «الثعالبي» في كِتَابه «ثمار المقلوب في المضاف والمنسوب» -وهو المولود سنة 350ه والمتوفي سنة 429ه: وحَكَى أبومنصور العبدوني الكَاتِب قال: تَنَجّزتُ «جَوَازاً» لرَجُلٍ قَبيح الخِلقة، وخَشِن الصُّورة، غَاية في الدَّمامة والسَّماجة، فلم يَقدر الكَاتِب عَلى «تَمليته» فكَتب: يَأتيك بهَذا الجَواز آية مِن آيات الله ونذره، فدَعه يَذهب إلى نَار الله وسقره)..! ثم يُعلِّق شيخنا «الغزَّاوي» على هذا بقوله: (ومِنه نَستطيع أن نَعلم أنَّ اتّخاذ «الجَوازات» السَّفريّة؛ يَرجع إلى ما قَبل ألف سَنة في الدّولة العَربيّة.. ونَعلم أيضاً أنَّه لابد مِن أن تُذكَر فيه أوصَاف المُسَافر، ومَا يتميَّز به شَكلاً وصورة)..! وقبل الدّخول في صُلب المَقال، دَعوني استعرض «عَضلاتي»؛ التي أدركها التَّعب مِن سيول جُدَّة، وهزائم الاتّحاد، لأقول: إنَّ أهل الصَّرف في اللغة العربيّة يَذكرون «القَلب المَكاني»، بحيث يُقدِّم النَّاس حَرفاً بَدل حَرف، وهو قَد يُقبل وقد لا يُقبل.. وخير مِثال عَلى ذَلك، أنَّ أهل الحِجَاز يَقولون: «جَوَاز فُلان»، وهم يَقصدون «زَوَاج فُلان»، وهنا جُعِلَ الحَرف الأوّل مَكَان الأخير، والأخير مَحل الأوّل.. وهذا مَا يُسمَّى «القَلب المَكَاني»! أكثر مِن ذلك.. أُمِّي -قمّصها الله لباس العافية- نظراً لأنَّها أنفَقت عَشرات السّنين في المَدينة المُنيرة، قَد وَقعت في هَذا «المَطبّ اللغوي»، وقد نظمت قَصيدة في وَلدها «أحمد»، تَحثّه فيها على الزَّواج.. أو «الجَوَاز».. حيث تَقول: مَتَى نَحْضِر «جَوَاز» أحمد إذا صَار نُحيي عصور اللي مَضوا مِن قَدِيمينْ ونُشيِّع أخبَاره عَلَى كُلِّ الأمصَار ويَا سَامعين الصَّوت «ادعو له» الحينْ حسناً ما علينا.. فكُلّ مَا تَقدَّم هو استعراض لغوي، مِن وَاحد طَفَح رَأسه مِن قِراءة الكُتب.. لنَعود إلى «الجَوَاز»، لأقترح عَلى الدَّولة -وفقها الله- أن تَجعل الصُّورة في «الجَوَاز» مَنزوعة «العمامة والشّماغ»، بحيث يَتم تَصوير كُلّ مواطن وهو «حَاسر الرَّأس»، وسأُعطي أدلّتي عَلى ذَلك، وسأضرب المَثَل بنَفسي -لأنَّني حَاولتُ في مَقالات سَابقة؛ أن أضرب أمثلة بأصحابي، ولكن تَوعّدوني بالمُقاطعة والهجران، لأقول: إذا تَأمَّلت صُورتي بالغُترة والعقال، ستَجد أنَّها تُمثِّل شَكل مواطن هَادئ مُخلص، يُتَابع القَنَاة الأُولى، ويَنتظر «دوره» في بَنك التَّنمية العَقاري، ويَكفل اثنين مِن العِمَالة، ويُشمِّت «العَاطسين»، ومُتزوج وله طفلان؛ وزَوجته حَامل في الثَّالث؛ مِن غير رَغبة في الحَمل، ويُسمِّيها «الأهل»، ويَركب سيّارة غَمارتين، وأحياناً يَستخدمها للاسترزاق! في حين أنَّ صُورتي مِن غير «تغطية الرَّأس»، أبدو «كمواطن مِن اليَمن» -كَما هي صياغة «عبدالله البَردّوني»-، يَعمل خَلف «جَرّة فُول»، أو أبدو كمَواطن «ليبي» شَرس، يَعمل حَارساً في مَطعم أو مَلهى ليلي..! كُلّ هذه التَّشبُّهات تَدل عَلى الفَرق الكبير بين السّعودي ب«غُترة وعقال»، والسّعودي مِن «غيرها»، وكُلّ هذا الاختلاف، يَجعلنا نَقع في إحرَاج، في إدَارَات الجَوازات في الدّول الأخرى، كما يَجعل البنوك الأجنبيّة تَتردَّد كَثيراً حين صَرف أي شيك، بحجّة أنَّ مَلامح الصُّورة الموجودة في «الجَواز» تُخالف -بشكل كبير- شَكل مَن يَرغب في صَرف الشّيك! حسناً.. لن أقول مَاذا بَقي..؟! لأنَّ أحد القُرَّاء غَضب مِن تكرارها، لذا سَأقول: لماذا لا يُلزَم المواطن بصورة للجَوَاز كَاشفاً رَأسه.. وهذا لا يُضير شيئاً في أمر الوَطنيّة والموَاطنة، لأنَّ «الجَوَاز» وثيقة لأهل الخارج، وليس لأهل الدَّاخل، وأهل الخَارج لا يَعترفون بتغطية الرَّأس..؟! .