العالم، وخاصة الأغنياء من دوله، يعيش هاجس (أمن الطاقة).. فالدراسات المتتالية من منظمات دولية وبيوت خبرة وكتاب ذوي نفوذ في أميركا وأوروبا تتحدث عن خطر نضوب الكميات المتوفرة من الطاقة وبالتالي تعطيل عجلة الاقتصاد فيها. وآخر السهام في ذلك كان ما أعلنته وكالة الطاقة الدولية، التي تشارك فيها (28) دولة غنية، وتقوم بإعداد الأبحاث والدراسات والتوصيات حول الطاقة لصالح أعضائها، وتعلن غالباً، عن نتائج أبحاثها وتوصياتها، وتقول في دراستها الأخيرة (نشرت في شهر ديسمبر الماضي) أن إنتاج البترول سيصل إلى طاقته القصوى بحلول عام 2020م، أي بعد عشر سنوات من الآن. ويقول كبير الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية، فيث بيرول: «حتى ولو بقى الطلب العالمي على البترول بدون زيادة فإن العالم سيكون بحاجة إلى أكثر من أربعين مليون برميل بترول يوميا من الطاقة الإضافية – أي ما يوازي إنتاج السعودية أربع مرات – وذلك للتعويض عن الكميات التي ستختفي من السوق». ما الذي يعنيه هذا الأمر بالنسبة لدول الخليج؟.. أربع من بين دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء عمان والبحرين، تملك أكبر مخزون في العالم من البترول. وتأتي السعودية كصاحبة أضخم احتياطي بترولي (وكذلك أكبر إنتاج يومي) تليها إيران ثم العراق ويقترب احتياطي الكويت من حجم الاحتياطي العراقي النفطي بينما تتساوى الإمارات في احتياطيها مع احتياطي فنزويلا تليهما روسيا. لذا فإن دول الخليج هي أكثر المنتجين أهمية في العالم. وهناك تنافس شديد على الحصول على هذه الطاقة الناضبة بين الدول الصناعية الكبرى والدول الصاعدة منها وخاصة الصين والهند.. وتسعى الصين لذلك إلى إتباع سياسة خاصة بها في عقودها من أجل الحصول على الطاقة، بعيداً عن الأسواق العالمية التي تسيطر عليها شركات البترول العابرة للقارات ومعظمها أميركي وأوروبي، وذلك بالتعاقد المباشر مع الحكومات التي تنتج البترول، وخاصة في أفريقيا، حيث تقدم الدعم المالي وتوفر القروض مقابل تأمين كميات من الطاقة تصل إلى الأسواق الصينية. وقامت مؤخراً ببناء وسائل تخزين فوق وتحت الأرض، خاصة على شواطئها، لحفظ أكبر كمية ممكنة من البترول الذي تشتريه كاحتياطي خاص بها (الدول الغنية تحتفظ بمخزون احتياطي في أراضيها يوازي معدل استهلاكها لحوالي شهرين). وبالرغم من أن البرازيل أعلنت العام الماضي عن اكتشاف أضخم مخزون نفطي في العالم، وقيام الصين بإقراض شركة (بتروبراس) التابعة للحكومة البرازيلية عشرة بلايين دولار، بعد أن أعلنت هذه الشركة عن رفع استثماراتها إلى (174) بليون دولار خلال الخمس سنوات القادمة حتى تتمكن من زيادة إنتاجها، إلا أن البترول الذي أعلن عن اكتشافه يقع تحت مياه عميقة وأسفل طبقة كثيفة من الملح، مما يجعل من الصعب معرفة تكلفة استخراجه ولا الفترة الزمنية التي سوف يستغرقها الوصول إليه. مما يشير إلى أن تكلفة البرميل المستخرج من هذه المنطقة ستكون عالية. التنافس الشديد على الطاقة، والآخذ في الازدياد، يجعل الدول المستهلكة للبترول في حال قلق وحيرة.. فالكميات المتوفرة، أو التي ستتوفر خلال السنين القادمة، لن تكون كافية لمواجهة حاجة هذه الدول جميعها، وبالتالي عليها أن تقرر كيف يمكن أن تتطور هذه المنافسة، وبأي شكل ستتم.. هل عبر التفاهم والبحث عن حلول وسط أم أنها ستؤدي إلى حروب بالنيابة تقوم بتمويلها ليضمن لها المنتصر في كل من هذه الحروب المحتملة ما تحتاجه من طاقة. وانعكس هذا الوضع على المواجهة القائمة مع إيران فيما يتعلق بنشاطها النووي، حيث تقف الهند والصين موقفاً موحداً من عدم الموافقة على تشديد العقوبات ضد إيران، فالهند تطمح في مد أنبوب لإيصال الغاز الإيراني إلى أراضيها بينما تأخذ الصين بعين الاعتبار أن إيران، بالإضافة إلى عشرات البلايين التي تستثمرها فيها، هي ثالث أكبر مصدر للبترول إليها (السعودية أكبر المصدرين إلى الصين تليها أنجولا). ويقول الان جرينسبان، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق، في مذكراته: «حرب العراق هي إلى حد كبير حول البترول». وأعتقد أن الدعم غير المشروط الذي تقدمه أميركا لإسرائيل بالرغم عن كل ما تقوم به في المنطقة هو ضمانة تعتقد واشنطن أن الاحتفاظ بها يجعل من السهل السيطرة على منابع النفط متى كانت بحاجة إلى ذلك. وفي نفس الوقت فإن الإيرانيين يخطئون إذا هم اعتقدوا أن قضيتهم مع الدول الغربية، ومنها أميركا، هي حول نواياهم النووية فحسب، بل أن البترول والغاز وضمانهما لمصلحة الاقتصاد الغربي هما عنصران مهمان فيما يدور الآن.. ولن يفيد تقديم الضمانات الشفوية عبر الوسطاء المتعددين بضمان تأمين النفط الإيراني لأميركا، لأن هذا أسلوب سعى صدام حسين إليه من سابق ولم يقبل به الأميركيون واحتلوا العراق لتأمين سيطرتهم المباشرة هناك إلى جانب أهداف أخرى لهم. التعامل مع موضوع النشاط النووي الإيراني سوف يعطي مؤشراً حول الاتجاه القادم للتنافس على الطاقة، أي التنافس على منابع النفط، القائم اليوم. وهناك ثلاثة احتمالات أولها أن تصل الدول الغربية إلى تفاهم يرضي الصينيين بأن الطاقة التي يحتاجونها سيتم ضمانها لهم عبر آليات دولية جديدة يتفق عليها، فتقف الصين حينها إلى جانب تصعيد الضغوط على الإيرانيين.. وثانيها أن يجري تغيير في النظام الحاكم بإيران يجعل الدول الغربية تشعر بالارتياح إليه وإلى احتمال استقراره فتعود للتعامل مع إيران بشكل مختلف.. وأما الأسوأ من ذلك أن يسعى الأميركيون إلى إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل كي تهاجم إيران وتدخل المنطقة في مخاطر جسيمة، وتكون مؤشراً للدول الاقتصادية الكبرى الصاعدة، ومنها الصين، أن السعي إلى تأمين الطاقة سيسلك طريقاْ عنيفاْ لن يقصروا هم الآخرون في اتباعه .