الإرهاب الإداري هو نتيجة طبيعية للثقة العمياء التي تعطى لمن يعينون في المناصب القيادية وتلك الثقة العمياء هي التي تؤدي إلى التعسف الإداري والغطرسة الإدارية التي تمارس على الموظفين من قبل البعض من المسؤولين وكنتيجة لذلك يعتبر الإرهاب الإداري أحد أهم أركان الفساد الإداري الذي ليس فحسب يفسد جميع خطط التنمية بل يعتبر احد أهم عوائق التنمية الإدارية والبشرية . نحن هنا في هذا المقال ،حتى تكون الأمور واضحة من البداية ، نتكلم بصفة عامة ولا نقصد مسؤولا بعينه لأنه ليس فقط الذي يمارس ذلك التعسف والفوقية مسؤولا واحدا حتى نقصده ولو كان واحدا لما كتبنا عنه البتة لأنه لا يمثل شيئا بل هناك العديد والعديد في مجتمعاتنا النامية . المعايش والملاحظ أننا نبتلى بمسؤولين لا يعرفون أبجديات المسؤولية الإدارية ، فتجدهم يبحرون في هذه المصلحة أو تلك الإدارة يمينا وشمالا ويمارسون جميع أصناف الإرهاب والرعب والتخويف وإذلال الناس في معيشتهم ورزقهم بدون رقيب ولا حسيب وبدون تقييم دوري لهم يوقفهم عند حدهم أو إعفائهم من تلك المسؤوليات. المشكلة التي نلحظها تتمثل في أولئك المسؤولين الذين ابتلينا فيهم واتوا عن طريق الواسطة والمحسوبية فتجدهم يجهلون ابسط أهداف الإدارة ، ويجهلون أيضا أن المناصب التي آلت إليهم كانت لغيرهم ولو استمرت لغيرهم لم تكن تؤول إليهم أي أن طبيعة الأعمال الإدارية القيادية هي أعمال متغيرة والبقاء للأصلح ولكن يفترض أن لا يكون لفترة طويلة. فالحقيقة تقول لنا أن أربع سنوات كافية للكشف عن مدى نجاح ذلك الإداري المسؤول أو فشله في تحقيق أهداف المصلحة أو القطاع أو الدائرة التي يديرها والارتقاء بها بل أن الإدارة الحكيمة الراشدة تتشكل هويتها في السنة الأولى عندما تجد ذلك القيادي يضع أجندته وخطة عمله مع زملائه في المصلحة ، أي خارطة طريق لتلك الإدارة أو المصلحة ليس ذلك فحسب بل وكيفية التنفيذ ( الآلية للتنفيذ ) وهي الأهم وإلا أصبحت تلك الأجندة أو خطة العمل حبرًا على ورق. كون الشخص يتحول إلى مسؤول في وقت قصير جدا بعيدا عن الخبرة والممارسة الإدارية ولم يبدأ مثل غيره من الموظفين في أول عتبة السلم حتى آخره ، يتخذ القرارات العشوائية الارتجالية المستعجلة هي قمة الكوارث الإدارية ، فهذه النوعية من المديرين والمسؤولين تجدهم يحاربون الإنتاجية والمنتجين ويقاومون التغيير وينحدرون بالمصلحة إلى الأسفل ، بل إنهم ينامون نومة أهل الكهف على تلك الإدارة أو المصلحة فتجدهم يقربون المغفلين والسذج والفاشلين ومنتهي الصلاحية لكي يكونوا مساعدين لهم وفي الوقت ذاته يتخلصون من كل شخص منتج ومتميز وناصح يرون أنه يشكل تهديدا مباشرا لمناصبهم وكراسيهم وذلك كله خدمة لبقائهم على تلك الكراسي على حساب مصالح المجتمع الذي من اجله وضعوا على هذه الكراسي . فكم إدارة ومصلحة وقطاع ابتليت بتلك الفئة من المسؤولين الذين وصلتهم تلك المناصب على طبق من ذهب ، فهذا الصنف من البشر يرون أنفسهم أنهم الرب الأعلى ، والعياذ بالله ، للمرؤوسين يستغلون صلاحياتهم في الإساءة للمرؤوسين ، يتصيدون أخطاءهم وإذا لم يجدوا شيئا يقومون بتلفيق التهم واصطيادهم في الماء العكر من اجل اقتناصهم وأبعادهم عن العمل بشكل نهائي مستغلين الثقة العمياء المعطاة لهم وغياب المحاسبة والتقييم والرقابة المفقودة في مجتمعاتنا النامية . العبث مع هذه الفئة أو قول كلمة الحق التي تتعارض مع مصالحهم وأهدافهم الشخصية سوف تجابه بسلسلة مرتبطة مع بعضها البعض من الفاسدين يعينونهم على الاستمرار في تماديهم في الإساءة للموظفين في ظل وجود ، كما أسلفنا ، الثقة العمياء الممنوحة لهم وغياب التقييم والمحاسبة والرقابة فلو عرف كل مسؤول انه سوف يقيم من قبل زملائه في العمل (المرؤوسين ) في استفتاء لمعرفة مدى إنتاجيته وقدرته على إدارة العمل وتحقيق أهداف المنشأة لتغير الوضع برمته ولوجدت مسؤولا مختلفا تماما عن مسؤول يقبع في برج عاجي ويمشي كالطاووس بدون محاسبة ويقول أنا ربكم الأعلى. تعكير صفو العيش والإساءة للمرؤوسين وجرح كرامتهم وإهانتهم أمور مرفوضة وليست من حق أي مسؤول مهما كان ، كما لا يوجد فيها أي نص في أي نظام في الدنيا يجيز انتهاك كرامة البشر والتنغيص عليهم في معيشتهم التي يسترزقون منها لإعاشة أنفسهم وأسرهم من اجل العيش كمواطنين صالحين لهم حقوق وعليهم واجبات. نظريات الإدارة تفتقد إلى توظيف نظريات علم النفس جنبا إلى جنب فكم شخص ذهب ضحية ذلك الإرهاب الإداري وكم شخص يعاني من الضغوط النفسية التي أدت إلى أمراض نفسية كالاكتئاب الشديد الذي قد يؤدي إلى الانتحار وأمراض جسمية تتمثل بأمراض السكر وضغط الدم والقولون العصبي والجلطات الدماغية وأمراض القلب المتعددة ودفع الشخص إلى تعاطي الكحوليات والإدمان عليها إلى غيرها من الأمراض ، فتضييق الخناق على من يبحث لأولاده عن لقمة العيش الكريمة وتعطيل عجلة التنمية والإصرار على العيش في بروج مشيدة هي قمة الإرهاب الإداري .