أصبح شائعًا لدى المثقفين في محيطنا المحلي والإقليمي إطلاق مصطلحات مثل “جيل الفاست فود”، أو “جيل الإنترنت والفضائيات”... إلخ من المصطلحات من باب الانتقاص والتقليل من شأن جيل الشباب القادم، وما يمكنه إنجازه وحمله من هموم ثقافية، وذلك ملاحظ دون الحاجة للاستدلال، فمثقفونا -بما فيهم جيل الحداثة وما بعدها وللأسف- أكثر مَن يخضع لتأثير “البارادايم” أو النسق؛ ولكن أحدهم لم يحاول حتى سبر أغوار الوسط الشبابي فيما هو أبعد من نمطهِ المعيشي الظاهر. ومن هنا سأقول إن كانت الثقافة صوالينَ ومقاهيَ أدبية لا يحضرها إلاّ النخبةُ، فجيل الشباب لن يكون مثقّفًا في يوم من الأيام، وإن كانت الثقافة تُقاس بكم الإنتاج الثقافي الفردي لا بكيفه، ولا بترابطه مع مشروع رؤيوي جماعي، فجيل الشباب قد لا يعوّل عليه كثيرًا في إنتاج مثقفين من هذا الطراز. جيل الشباب اليوم جيلٌ يعرف حقوقه جيدًا، ويرفض التنازل عنها، ويحاول جاهدًا تحديد واجباته في أعلى سقفٍ لها، ومن ثم يخطط كيف يمكنه أداؤها، جيلٌ لديه هواياته التي تفتح له آفاق إبداع لم يتم التركيز عليها من قبل، فهواياتهم ليست في موضة الملابس والسيارات وحسب، ولكنها تعدتها للتصوير مثلاً؛ فنظموا مجموعاتهم عبر مواقع مثل «فليكر»، و«ديفن آرت»، وأبهرونا بإنتاجهم بالرغم من أن أعمار بعضهم لم تتعدَّ الرابعة عشرة، وتجاوزوها بامتلاك مشروع متكامل عقدوا من أجله ورش العمل، وتبادلوا خبراتهم عبر الإنترنت، أو بشكل مباشر، وقد كان لي شرف حضور إحدى هذه الورش في أحد أسواق مدينة جدة، كانت لهم ثقافتهم الاجتماعية الفعّالة البعيدة عن التنظير؛ فنظموا مجموعاتهم -التي لم تعتمد على المناطقية كالصوالين القديمة- عبر «فيس بوك»، وعبر مواقع أنشأوها خصّيصًَا لهذا الغرض «كمجموعة وجهة التطوعية»، كان لهم تجمعاتهم التدوينية التي ناقشوا فيها مختلف القضايا بشكل مباشر، وفي حوارات حُرة ومفتوحة، وإن كان المثقف يتباهى كم كتابًا قد أنتج، وكم مرة جلس في صوالين إلى جانب بعض المثقفين المحليين، فإن المثقف الشاب اليوم يعرض كم كتابًا قرأ، ويناقش ما قرأه واستفاده من كل كتاب عبر موقع «قود ريدز»، والذي يشهد حوارات يحق لشبابنا وفتياتنا أن يفخروا بها بينهم وبين أشهر كتّاب العالم وفي صفحاتهم الخاصة. إن كان المثقف قديمًا يكفيه التفاخر باطّلاعه على ثقافات وحضارات أخرى، فإن شباب اليوم قد شكّلوا مجموعات لنشر تفاصيل الثقافة التي احتكوا بها، واطّلعوا عليها، وفتح قنوات التواصل معها كما في جمعية «ساكورا المملكة» التي أقامها مجموعة من الشباب والفتيات العائدين من الابتعاث في اليابان. إن كان الحرس القديم يدّعي معرفته بتفاصيل «مشروع المثقف» الحقيقي، فإن جيل الشباب جيلٌ «يمارس» روح الثقافة ويطبّق مشروعه الخاص المتكامل بعيدًا عن التنظير. إن التركيز عبر وسائل الإعلام، وفي الصوالين، وحتى في الأحاديث الجانبية على المظاهر السلبية فقط في جيل ما لإظهاره بمظهر سطحي هو قمة السطحية برأيي، لستُ أزعم أن جيلاً قادمًا بأكمله سيكون من المثقفين، ولكنه جيلٌ سيكون مليئًا بالمشاريع الثقافية.