إن شعر الموظف -مدنيًّا كان أم عسكريًّا- أن ليس هناك مَن يحاسبه، أو أن هناك شيئًا ما في النظام سوف يحميه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.. عندها سيقع الفساد، بل سينتشر هذا الفساد، حيث إنه قد ضعف الوازع الديني عند بعض الناس للأسف.. مع العلم أن ديننا الإسلامي الحنيف حذّر من ذلك الفساد، وسد كل الطرق المسببة له، والمؤدية إليه.. وإن وقع أرشد إلى عقوبته بوضوح.. والدولة لدينا لم تقصّر، فقد فعلت ما وجّه به الإسلام من نوعيه وعقوبة الفساد، والدليل على ذلك أجهزتها الرقابية، والتحقيقية المختلفة. وإذا سلّمنا أن العمل البشري يكون فيه بعض الأحيان خلل، أو قصور.. فهناك بعض الخلل والقصور -وحتى القدم- في بعض الأنظمة لدينا.. أمّا القدم فحدّث ولا حرج في النظام الحكومي.. أمّا الخلل فأذكر منه مثلاً واحدًا.. للدلالة عليه. فمثلاً.. إذا أردت أن تشتكي موظفًا حكوميًّا أيًّا كانت مرتبته، أو رتبته، فقمت برفع شكوى ضده، فإن أول ما يقال لك: - أنت ما تعرف أن هذا موظف في الدولة؟ * فتقول نعم.. أعرف ذلك.. فيُقال لك: إذًا اعلم أنه إذا لم تصح هذا الشكوى، فإنك سوف تُعاقب وتقع تحت المساءلة.. بعد ذلك التحذير، أو بالأصح التهديد المبطن.. يقدّم لك ورقة قد جُهزت مسبقًا وطبعت.. لكي توقع عليها، وتكتب اسمك، وهاتفك المباشر... إلخ. والملاحظة هنا يارعاكم الله.. إن كان ذلك الموظف المشتكى.. موظفًا في الدولة.. فالشاكي أو المتظلم ابن الدولة، وإن كان المشتكى موظف دولة.. فالشاكي أيضًا موظف دولة.. لكن في جهة أخرى.. وربما الشاكي.. يؤدي في المجتمع دورًا أهم من بعض موظفي الدولة. والسؤال هنا: هل مثل هذا النظام.. ممّا يساعد على محاربة الفساد والمفسدين، أم أنه يشجع على انتشار الفساد وزيادة المفسدين؟! فهو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يفهم منه التالي: - للموظف -مدنيًّا كان أم عسكريًّا- اعمل ما تشاء، فإنك تحت حمايتنا. - للمواطن المشتكي أو المتظلم.. لا تشتكِ، فإن هذا الخصم سوف يجد بيروقراطية النظام، ومن الزملاء في هذه الإدارة أو تلك مَن يسانده ويعاضده، وسوف يعمل هو ومَن معه ومَن “يمونون عليه”.. على أن لا تقع عليه تلك الشكوى حتى لو كانت صحيحة 100%. والأدهى من ذلك أنها سوف تقلب على المواطن الشاكي أو المتظلم..لا أقول سينقلب السحر على الساحر.. ولكن سوف تنقلب الموازين بالهواتف والأوراق الصغيرة المرسلة من تحت الطاولة، ورسائل الجوال.. ويصبح الظالم مظلومًا، والمظلوم ظالمًا، عندها نكون قد ساعدنا على الفساد ولم نحاربه... والله المستعان . [email protected] فاكس : 6292368 / 02