مما لا شك فيه أن القضاء في المملكة قد خطا خطوات عديدة، وكان لصدور الأنظمة العدلية الثلاثة ولتبني خادم الحرمين الشريفين للمشروع الوطني لتطوير القضاء ولدعمه السخي له ومتابعته المستمرة دور كبير في مجال تنظيم القضاء وإجراءات التقاضي وحفظ حقوق المتقاضين ، ونظراً لان للمحامي دوراً كبيراً في تطوير القضاء و في تطبيق هذه الأنظمة وتفعيلها، إضافة إلى دوره الأساسي في تحرير الدعاوى و كتابة المذكرات والدفوعات التي هي أشبه بأبحاث ودراسات شرعية تعين القاضي للوصول إلى الحق، وتختصر عليه جهد بحث المسائل وتمحيصها من كتب الفقه والانظمة. ومن المؤكد أن طلبة العلم من أساتذة الجامعات المتخصصين في الشريعة والقانون هم من خير من يعرض المسائل ويبحث الأحكام ويمحص الأدلة ويعين القضاة في أداء مهامهم، وبالتالي فإن الإذن لهم بممارسة المحاماة والاستشارات الشرعية والقانونية سيكون له اثر كبير في تقدم القضاء وتفعيل إجراءاته وإضفاء الشفافية على ممارسته ولعل من اهم الأسباب الداعية إلى المطالبة بالإذن لأساتذة الجامعة المتخصصين في الشريعة والقانون مايلي : 1-أنه سيسهم في تفعيل أنظمة إجراءات التقاضي وتطويرها، وفي بحث المسائل المتقاضى فيها , وعرضها من خلال ما يدونونه من مذكرات تعين القضاة على تصور المسائل وتختصر عليهم وقت وجهد بحثها، 2- أن دخولهم مجال الترافع سينعكس إيجابياً على تدريسهم للطلاب- الذين سيتولون القضاء بعد تخرجهم- مما سيسهم في تخريج طلبة لديهم خلفية عالية عن القضاء وإجراءاته في بلادنا. 3-أنه قد درجت كثير من الدول على الإذن لأعضاء هيئة التدريس المتخصصين في الشريعة أو القانون بالترافع في المحاكم والهيئات القضائية لأمرين أساسيين : - أولهما : - أن تخصصهم وتأهيلهم العلمي العالي يسهم في إعانة القضاة على تحرير الدعاوى والدفوعات. ثانيها : - أن دخولهم مجال الترافع ينعكس إيجابياً بربط دراساتهم النظرية بالوقائع القضائية المختلفة، مما يكمل تأهيلهم، ويسهم في حسن تأديتهم لمحاضراتهم وأبحاثهم خصوصاً وأن عدداً كبيراً من طلاب كليات الشريعة يوجهون للقضاء بعد تخرجهم. 4- ومما يؤكد على أهمية هذا الدور ما صدر عن قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وعلى رأسهم قائد بلادنا المباركة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، حيث اعتمد المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورته الثانية والعشرين التي عقدت في مسقط بتاريخ 15 – 16 شوال 1422ه، والذي سبق أن وافق عليه أصحاب المعالي وزراء العدل بدول المجلس في إجتماعهم الثالث عشر الذي عقد في مملكة البحرين بتاريخ 7 – 8 شعبان 1422ه حيث نصت المادة الخامسة من نظام المحاماة بدول مجلس التعاون على أنه يستثنى أعضاء هيئة التدريس بكليات الشريعة أو القانون من شرط عدم جواز الجمع بين مهنة المحاماة والوظيفة العامة، وجواز قيده في جدول المحامين المشتغلين وهذا يعني أن النظام المذكور يجيز لأعضاء هيئة التدريس بكليات الشريعة الترافع عن الغير أمام المحاكم الشرعية ومؤسسات القضاء في المملكة ومزاولة الاستشارات الشرعية، وتسجيل أسمه في جدول قيد أسماء المحامين الممارسين. 5- أنه قد صدر نظام المحاماة في المملكة بالمرسوم الملكي الكريم رقم م/38 وتاريخ 28/7/1422ه وأوردت المادة الثالثة منه شروط من يزاول مهنة المحاماة في المملكة ولم يكن فيه ما يمنع أعضاء هيئة التدريس بكليات الشريعة من مزاولة مهنة المحاماة والاستشارات الشرعية بتاتاً. إلا ان اللائحة التنفيذية لهذا النظام هي التي وضعت هذا الشرط الذي لم يكن موجودا في اصل النظام ، ومن المعلوم انه يفترض في اللائحة التنظيمية ان تفسر النظام لا ان تضع فيه قيودا هي غير موجود أصلا فيه.لان الزيادة في النظام والنقص منه هو حق لواضعه فقط دون غيره وانه لا يجوز نظاماً ان يرد أي زيادة او نقص في اللائحة التنفيذية لأي نظام هي غير موجودة في أصله لان من زاد في النظام مما لم يرد فيه فقد وضع نفسه في مصاف واضع النظام من حيث الصلاحية التشريع والتنظيم . وعليه فقد توافق نظام المحاماة في المملكة مع نظام المحاماة لدول مجلس التعاون المعتمد من قادة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله. فلم يبق إلا تفعيل قرار قادة دول مجلس التعاون والإذن لأعضاء هيئة التدريس بكليات الشريعة والقانون بجواز قيدهم في جداول المحامين الممارسين، وهذا يستتبع قيام وزارة العدل بتعديل قرارها الذي ضمنته اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة حيث اشترطت اللائحة التنفيذية عدم جواز الجمع بين مهنة المحاماة والاستشارات الشرعية وبين الوظيفة العامة، ولم تستثني اللائحة أعضاء هيئة التدريس بكليات الشريعة أو القانون من هذا الشرط، بينما نظام المحاماة المقر من قبل قادة دول مجلس التعاون نص على استثناء أعضاء هيئة التدريس بكليات الشريعة أو القانون من شرط عدم جواز الجمع بين مهنة المحاماة والوظيفة العامة، وجواز قيدهم في جدول المحامين المشتغلين(الممارسين). 6-ان المادة السابعة من نظام المحاماة قد نصت على التالي : :يصدر الترخيص بمزاولة مهنة المحاماة بعد القيد في الجدول ....الخ وقد ورد النص في هذه المادة على ان ذلك يكون وفقا للشروط المحددة في هذا النظام . ولم تقل المادة ان ذلك وفقا للشروط التي تزيدها اللائحة التنفيذية على النظام والتي هي غير موجودة في أصل النظام وهنا يتسأل المطلع ماهي الشروط الواجب مراعاتها في ذلك هل هي الشروط المقرة في أصل النظام الصادر بالامر السامي الكريم رقم 38/م في 28/7/1422ه أم هي الشروط التي تمت زيادتها في اللائحة التنفيذية. ومن هنا يتضح كيف ان زيادة هذا الشرط غير الوارد في أصل النظام قد ادخل بعض الخلل على مادتين من المواد الواردة في اصل النظام . 7- أن استثناء أعضاء هيئة التدريس في كليات الشريعة صادر به إذن من ولي الأمر حفظه الله بمصادقته على نظام المحاماة بدول مجلس التعاون الخليجي. 8- انه مما يعزز ضرورة الإذن لأعضاء هيئة التدريس بكليات الشريعة في جامعات المملكة أن زملاءهم في كليات الشريعة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مسموح لهم بممارسة مهنة المحاماة وقريباً يحق لهم افتتاح فروع لمكاتبهم في المملكة العربية السعودية. 9- أيضاً فإن المملكة أصبحت عضواً في منظمة التجارة العالمية، وهذا يفتح الباب لدخول الشركات والمؤسسات الأجنبية لأسواق المملكة، وهذه الشركات والمؤسسات بحاجة إلى محامين ومستشارين من ذوي التأهيل العالي وإلا فإنهم سيبحثون عن مكاتب أجنبية ومحامين أجانب. 10-ان وزارة العدل قد تكرمت بأن أصدرت قائمة بعدد كبير من المحكمين ومنهم عدد كبير من أساتذة الجامعات المتخصصين وغيرهم .ومن المعلوم ان مهمة التحكيم مهمة فصل في الخصومات والمنازعات وهي بلا شك أهم واخطر من مهنة المحاماة ،فلماذا سمحت الوزارة لهؤلاء بمزاولة التحكيم مع أهميته وخطورته ، ومنعت أساتذة الجامعات المتخصصين من ممارسة تخصصاتهم في مهنة المحاماة. وهل أمر الفصل في المنازعات والخصومات عن طريق التحكيم أخف وأقل أهمية من أمر المحاماة والاستشارات القضائية والحقوقية, ولذلك اذنت وزارة العدل في ممارست التحكيم لكل من كان له خبرة ودراية في تخصصه ومنعت اهل الخبرة والدراية والمعرفة من اساتذة الجامعات من ممارسة تخصصاتهم . أليس هذا من قبيل التفريق بين المتماثلات !!!! 11- انه من أهم الأسباب المعينة على الارتقاء بمهنة القضاء و المحاماة مشاركة أساتذة الجامعات المتخصصين وتفعيل دورهم في المجتمع لكي يتمكنوا من المشاركة في دفع عجلة التطور فيه 12-ان أعداد المحامين في المملكة لاتزال قليلة بالنسبة لعدد القضاة والدوائر القضائية الموجودة في المملكة وإذا علمنا ان أعداد المحامين المصرح لهم قرابة التسعمائة محامي وعلمنا ان مدينة الرياض وحدها فيها مالا يقل عن مائة وستون مكتب قضائي ودائرة قضائية موزعة على المحكمة العامة والمحكمة الجزئية ومحكمة الضمان والانكحة وديوان المظالم ولجان فصل المنازعات التجارية واللجان العمالية وغيرها كثير.ولو تصورنا ان كل مكتب قضائي لن ينظر يومياً في أكثر من خمس قضايا يومياً فان معنى هذا ان المحامين المصرح لهم لن يعملون في غير مدينة الرياض لأنه بالكاد يستطيعون القيام بالقضايا الموجودة فيها .وعلى هذا فمن يعمل في بقية المدن والمحافظات !! ،هل سنجعل صاحب الحق يطالب بحقه بنفسه حتى ولو كان غير عارف بأصول التقاضي ومهما سبب هذا في تعطيل القضاة عن السرعة في الفصل في القضايا المعروضة إمامهم , أم سنطلب منهم ان ينتظروا في المطالبة بحقوقهم حتى يستكمل التصريح لعدد كاف من المحامين بعد توفرهم وتأهيلهم. ومتى يتصور ان يتم هذا العمل .خاصة وإننا نعلم ان النظام قد اشترط خبرة لمن يمارس مهنة المحاماة مدة لا تقل عن ثلاث سنوات للحاصل على البكالوريوس وسنة للحاصل على الماجستير .وعلى جميع هذه الاعتبارات السابقة فان هذا يعتبر تعطيلا وتأخيرا لتطوير مهنة المحاماة و تبطأة للفصل في المنازعات لأنه هناك فرق واضح بين ان يعرض القضية أمام القاضي شخص متعلم ومتمرس وبين ان يعرضها شخص ليس لديه أي خبرة في ذلك . ولعل هذا من أهم الأسباب التي كان ينبغي التفطن لها خاصة وان المملكة مقبلة على تطور اقتصادي كبير جعلها محط أنظار كثير من الشركات الاستثمارية العالمية الكبيرة ,فهل نستطيع توفير المحامين المتخصصين لهذه الشركات العملاقة أم سنطلب منهم ان يحضروا معهم مستشاريهم ومحاميهم مع وجود هذا العدد الكبير والهائل من أساتذة الجامعات المتخصصين في الشريعة والقانون , والذين لم يمنعهم من ممارسة مهامهم وتخصصاتهم سوى قيد أدرج في اللائحة التنفيذية لنظام المحاماة وهو غير موجود في اصل النظام . وبناء على ذلك تقدم مجموعة من أساتذة الشريعة والأنظمة بخطاب حول هذا الأمر الى مقام خادم الحرمين الشريفين فقيدت برقم 15764/ب وتاريخ 10/4/1427ه وأحيلت إلى وزارة العدل فقيدت لديها برقم 35901/27 وتاريخ 11/4/1427ه ولا تزال هذه المعاملة حبيسة أدراج الوزارة لم يطلق سراحها . ولا أعلم هل لاتزال هذه المعاملة تدرس (من الدراسة) أم يراد أن تدرس (من الاندراس) ؟؟؟، ولماذا لم توجد الجرأة الكافية للوزارة للإجابة عليها او رفضها او بيان عدم نظاميتها.مع العلم أنها سبق مناقشتها في إحدى الصحف عام 2007م ولكن وزارة العدل التزمت الصمت حيال هذا الموضوع فلم تناقشه بأي كلمة حسنة او غيرها . ولعل الوزارة في وقتها رأت أن فوق مستوى من أثار هذا الموضوع لان لها حصانة تجعلها أعلى مستوى من أن تجيب من اعترض على احد قراراتها ؟ لعل فيما ذكرته من أسباب مختصرة كافية لجعل وزارة العدل تنظر في هذا القيد المدرج في اللائحة التنفيذية، وهو غير موجود في النظام الأساسي ولا تتناسى القاعدة القانونية ( أن النظام عند صدوره لايجوز الزيادة عليه ولا النقص منه الا لواضعه أو من هو أعلى صلاحية من واضعه ) فهل من وضع هذا القيد يملك صلاحية مقر النظام وواضعه فضلاً عن ان يملك أعلى صلاحية منه ) وبناء على ذلك فإنه –فيما يظهر لي – يجب عليها أن تعمل على إلغائه لعدم وروده في اصل النظام ، أو تبين لنا ماخفي علينا مما تعلمه هي ويخفى على بقية الناس. كما أتمنى من وزارة العدل مناقشة هذا الأمر ان رغبت في مناقشته بناءً على أرقام وإحصائيات ومعلومات دقيقة وأسباب معقولة حتى نصل إلى الهدف المنشود من مثل هذه المناقشات . • أستاذ الفقه المقارن –جامعة القصيم