* أحد الزملاء من سكان الأحياء الشرقية لمدينة جدة والتي تضررت في الكارثة الأخيرة اتصل بي هاتفياً يوم السبت الماضي وفي صوته نبرة حزن وألم يقول: «هل سمعت فلان – ويذكر أحد الوجهاء – ماذا يقول في إذاعة البرنامج الثاني من جدة عن الكارثة التي أصابتنا وما خلفته من آثار نفسية واجتماعية ومادية على عدد غير قليل ممن يسكن مثل أحيائنا». * ولما لم أسمع البرنامج نفيت علمي أو سماعي بما قاله الوجيه ثم سألت الزميل ماذا قال؟ ولماذا نبرة الحزن التي أشعرها في صوتك؟! فأجابني بقوله: «إن المذكور يصف الكارثة التي قتلت وشردت وهلكت ودمرت بأنها نعمة من الله» وبعد وقفة يواصل بقوله: «لا والأدهى أن معاليه يلوم السكان على سكنهم في مجاري السيول وفي الوديان ومخالفة أنظمة البناء.. وكأننا فعلاً كنا مخالفين في السكن بغير نظام وبعيداً عن القانون». * ولما كنت أعرف الشخص الذي يتحدث عنه وأعرف مكانته المجتمعية وإسهاماته العامة وقربه من مراكز قرار في أكثر من موقع ولما لمست الخوف في صوت زميلي من أن يؤثر كلام هذا الوجيه على المتضررين حاولت التخفيف عنه بقوله له ربما لم يقصد معاليه حرفية كلامه وإنما أراد فقط ولطبيعة البرامج الحوارية خاصة إذا كانت مباشرة أن ينبه إلى بعض الأخطاء في سلوك سكان المناطق المتضررة وليس تحميلهم المسؤولية. * إلا أن الزميل رد بحزم وعدم اقتناع بحديثي بقوله: «أنتم هكذا تسعون دائماً إلى مجاملة فلان وعلان لمكانته وسلطته إما لتحقيق هدف شخصي أو على أقل تقدير كسب مكانة لديه. يا أخي كنت أتمنى أن يكون صاحبك هذا من أحد سكان مناطقنا التي تضررت حتى يرى بعينه إن كانت الكارثة نعمة أهلية أم شيء آخر». * وخوفاً من تجاوزه قلت للزميل يا أخي صحيح أننا كمسلمين ومؤمنين بالقضاء والقدر يجب أن نعترف بأن المولى جلت قدرته وبحسب تقديراته وعدله بين خلقه عادل ورحيم بكل مخلوقاته وإننا يجب أن نحمد الله في السراء والضراء. فإذا بالزميل ينتفض غاضباً ويقول: «صحيح كما قالوا في الأمثال اللي ايدو في النار مو زي اللي ايدو بره، أي كلام وإيمان تتحدث عنه؟ كلنا مؤمنون بقضاء الله وقدره ولكن ما حدث كارثة بشرية أسهمت فيها أيد بشرية غير نزيهة، وبعدين يا سيد أنت ما قرأت ما قاله الملك الشجاع خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله عندما أصدر قراره التاريخي بتشكيل لجنة تقصي حقائق أن كارثة جدة لا يمكن اعتبارها كارثة طبيعية بل نتيجة لسوء إدارة وقلة أمانة». * وبقدر اقتناعي بما يقوله الزميل المتضرر وتقديري لحالته وحالة كل من فَقد أو تضرر في الكارثة وبقدر تعاطفي مع كل المصابين والمنكوبين بقدر مطالبتي للكُتَّاب ومسؤولي جدة وبعض الوجهاء من أمثال صاحبنا في الحديث الإذاعي بأن يراعوا شعور ونفسيات سكان المناطق المتضررة فإن لم نكن على قدر المسؤولية في رفع عبء الكارثة عنهم فليس بأقل من منطق هادئ وقول حسن فألم اللفظ قد يكون أقسى من الفعل خاصة في مثل حال المنكوبين والمتضررين من كارثة الأربعاء الأسود.