كثير من الأحداث التي تجري على قارعة الحياة اليومية مكتوبة بلغة غير مفهومة ، ليس لها تفسير ، تلك الأحداث قد تصنع عاصفة ، قد تصنع كارثة ، قد ترفع صرخة شيخ ، أو تمطر دمعة طفل ، قد تنجب لحظة تُناقض قانون الوقت فتتوقف عند مؤشر ألم لا تتحرك عقاربه ، لو أردت أن أحصي شيئا من هذه الأحداث لاستيقظ في كل ركن جرح، وفي كل زاوية حزن، وفي كل سكون ليل أنين، جرائم تقتحم براءة طفل فتؤذيها ، وفرحة أم فتقتلها ، وطموح شاب فتغتاله ، وسعادة أب فتنهيها ، جرائم يرتكبها وافدون وتتكرر ، والإجرام ككل الأشياء صغيرا يبدأ ثم يكبر ، فسارق الأمس هو قاتل اليوم ، يعيش مرحلة اكتمال ونضج إلى أن يبلغ أعلى درجات الإجرام ، والمسافة بين الأمس واليوم أتاحت له هذا التحوّل مع أنّه كان بالإمكان اختصار المسافة وتغيير الوجهة ، فليس من المناسب أن تستبدل الإقامة المؤقتة في أحد سجون المملكة بمغادرة نهائية لبلاده !! فهي أحق بخيره وأدرى بشره ، وقد عرفت في التعاملات والأحكام الفقهية والوظيفية ما يشترط فيه اكتمال نصاب ، غير أني لم أسمع به قط في قانون الجريمة ، فلم أسمع أو أقرأ قط أن للجريمة نصابا لا بد من اكتماله حتى يكون العقاب رادعا ، والجزاء مانعا ، فمجرم اليوم يسفك دماء بريئة، ينتهك أعظم الأشياء عند الله حرمة بعد اثنتي عشرة سابقة ، وكأني به قد أُعطي تصريحا لترك بصماته على واجهات متعددة للزمان والمكان والمشاعر. في بعض أمورنا نكون بحاجة لترك الفراغات الشاسعة ، وفي بعضها الآخر نكون بحاجة لسد الثغرات وإحكام إغلاقها ، أما عندما يكون الأمر متعلقا بالحياة والموت فإن تطبيق هذا القانون بحاجة إلى دقة في الأداء ، وسرعة في الإنجاز .